تتسربل مجلّة «بدايات» الفصلية الثقافية الفكرية بالكثير. تحاول أن تكون أكثر من مجرد مجلة عادية، فهي تمزج بين المواضيع اليومية/ الحياتية/ المعاشة وتلك التي تأخذ حيزاً من الزمان على اتساعٍ أكبر. الأزمة السورية التي باتت تشكّل خبزاً يومياً للصحافة اليومية، تتناولها المجلّة كثيمةٍ في عددها الثامن/ التاسع. كتب رئيس تحرير المجلة الباحث والمؤرخ فوّاز طرابلسي افتتاحية العدد بعنوان «حروب الردة أو اغتيال المستقبل»، لندخل العدد الذي ركّز على الأوضاع في سوريا ولبنان والعراق.
في ملفٍ مهم، تتناول المجلّة موضوعاً هو تفريغ بيروت من سكّانها تحت عنوان «الحق في المدينة». جرس إنذار لخطرٍ «مخيف» يقوم به «كل الأقوياء» ضد الأضعف. إنّها حنكة «الرأسمالية» المدهشة في التعامل مع مخالفيها. تتخلص منهم كي تضحي الأرض فارغةً لها. وفق مقالة نادين بكداش (مصممة غرافيك وباحثة مدينية في استديو «أشغال عامة»)، مكّن قانون الإيجار القديم عدداً كبيراً من سكان بيروت (٧٧٪ عام ١٩٧٠، ٤٨٪ عام ١٩٩٦، ٤٩٪ عام ٢٠٠٤) من البقاء في المدينة في ظل ارتفاع خيالي لأسعار الأراضي والشقق، وتدنّي مستوى الأجور. كما أن عقد الإيجار القديم تجاوز خطوط تماس بين الأحياء، مؤمّناً اختلاطاً بين الفئات الاجتماعية المختلفة. لكن في الوقت عينه، هناك النقطة الأهم في المقالة «مع أن المستأجرين القدامى ظاهرون بوضوح في مشهد بيروت الحضري، إلا أنهم مغيبون في تصوّر جديد يُرسم للمدينة.
مقالات عن دالية الروشة و«السوري السعيد»

يتصور الطامحون للحداثة أبنية عالية وحياة عصرية خاصة بعيدة من الشوارع والعامة من جهة، بينما يهتم مناشدو الحفاظ على الأبنية التراثية فقط بخصائص الأبنية العمرانية وليس بالحياة الاجتماعية التي تنتجها الأمكنة». ويتناول الملف قضية «دالية الروشة» (مقال للمعمارية عبير سقسوق) التي باتت تمتلك نوعاً من الرمزية في التعبير عن قضايا «الفساد» العام. وفي ملفٍ لافت آخر، تتناول المجلّة الحرب السورية عبر مقالات عن حلب ودمشق، معرفةً «السوري السعيد» بأنّه ذاك الذي لم يفقد كل ما يملك، وعدداً من أفراد عائلته بين القصف والمعتقلات، بل تهجّر وفقد منزله فقط، ثم تمكن من دفع إيجار مأوى، ويستطيع الحصول على لقمته من دون إذلال ولا حصار! مقالات أخرى نقع عليها عن وداد حلواني المناضلة لـ «32 سنة في لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين» في الحرب الأهلية اللبنانية، والرابر والصحافي مازن السيد الذي غرافيتي علي الرافعي... باختصار، تستحق المجلّة القراءة لأّنّها تحوي مضموناً مختلفاً كلياً عن المقروء اليومي وعجالته.