بعد الحكم ببراءة حسني مبارك وأركان نظامه من تهمة قتل المتظاهرين أُثناء «ثورة 26 يناير» 2011، تداول مستخدمو موقع فايسبوك حلقة قديمة ساخرة، أو كانت في حينها ساخرة، من برنامج «البرنامج» للإعلامي باسم يوسف (الصورة)، حين كان لا يزال يبث على قناة «أون. تي. في». كانت الحلقة تتخيل ما كان يبدو وقتها مجرد نكتة: أي براءة مبارك وأركان نظامه وخروجهم من السجن. يظهر في الحلقة باسم يوسف، والإعلاميان ريم ماجد ويسري فودة، والمخضرم حمدي قنديل، والكاتب الساخر بلال فضل وفنان الكاريكاتور عمرو سليم. الحلقة التي كانت ساخرة، قدمت نشرة إخبارية متخيلة، تعلن هزيمة «مؤامرة يناير» التي يتنصل من الاشتراك فيها جميع ضيوف الحلقة ومقدميها.
لا داعي للقول بأن سخرية الحلقة صارت ــ عبر السنوات الماضية ــ أمراً واقعاً بحذافيره، من «البراءة» إلى خطاب «المؤامرة»، غير أن الاختلاف الوحيد أنّ ضيوف الحلقة لم يتنصلوا من «مؤامرتهم»، لكنهم في الوقت نفسه، لم يعودوا، كلهم تقريباً، في أماكنهم. لقد توزعوا بين السفر والهجرة أو مجرد الجلوس في المنزل.

ليس من دلالة على حال الإعلام في العام المنصرم، أكثر من أن أقوى ما فيه كان الغياب. في منتصف العام، تحديداً في أواخر شهر أيار (مايو)، أصدر كل من باسم يوسف ومحطتي «إم. بي. سي. مصر» و«دويتش فيلله»، بياناً يعلن توقف «البرنامج» إلى أجل غير مسمى.
توقف البرنامج للمرة الأولى منذ «ثورة يناير» كان هو الحدث الإعلامي الأبرز، والفراغ الذي لم يملأه أحد. على الناحية الأخرى، للمرة الأولى منذ الثورة أيضاً، يجري برنامج تلفزيوني هو «الشعب يريد» الذي يقدمه أحمد موسى على «صدى البلد»، اتصالاً هاتفياً مع الرئيس المخلوع حسني مبارك للاحتفال بالبراءة التي حصل عليها في اليوم نفسه، أي في التاسع والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بعد يوم واحد من «تظاهرات الهوية» التي دعا إليها نشطاء إسلاميون، وترقبتها وتحسّبت لها مصر كلها. لكنها لم تحدث تقريباً، فاتحةً الباب لتفسيرات مؤامراتية تتعلق بالتهيئة الأمنية لبراءة مبارك التي نُطق بها في اليوم التالي.
في منتصف المسافة بين غياب باسم، وحضور مبارك، في أيلول (سبتمبر) 2014، قدم يسري فودة الحلقة الأخيرة من برنامجه الشهير «آخر كلام». أما في نيسان (أبريل) من العام نفسه، فرحلت عن «سي. بي. سي» إعلامية أخرى من المنحازين للثورة، هي دينا عبد الرحمن، ولم تعد إلى الآن. واستمر غياب ريم ماجد من العام الأسبق. وتحوّل الإعلام كله، خلال عام واحد، إلى درجات من لون واحد، قد تفلت حلقة هنا أو «مقدمة نارية» هناك، لكنه صار ــ بصفة عامة ــ إعلام الحكومة والنظام، وإعلام الدولة بأكثر من إعلامها الرسمي نفسه.
وقيل في مراوغة ما سبق، أنّ أسباباً مالية ومهنية وخلافات إدارية، هي التي اجتمعت لتبعد كل أولئك الإعلاميين من الشاشة دفعة واحدة. مراوغة تتجاهل ممارسات رسمية معهودة للضغوط من خلف الستار، كأن قناة يمكن أن تتنازل طوعاً عن برنامج مليوني المشاهدة وخرافي الأرباح كبرنامج باسم يوسف. وأياً كان، فإن الضغوط حققت أهدافها، ولم يعد في الإعلام سوى صوت النظام إلى حد خلق حالة شبه فاشية في الشارع، انعكست في حوادث متعددة أبلغ فيها مواطنون عاديون عن صحافيين أجانب لمجرد سماع لغتهم الأجنبية في الأماكن العامة، بعد ثلاث سنوات فقط من ثورة كانت تفخر بأنها «أبهرت العالم»!