انطلقت عجلة المفاوضات الانتخابية التي ستحسم شكل الهيئة الإدارية الجديدة لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي. تنتظر قواعد الأساتذة إنتاج هيئة تصون استقلالية القرار النقابي، في حين تسعى الاحزاب الى إعادة إنتاج التوافق السياسي نفسه القائم على المحاصصة بينها.
تتطلع فئة من الناشطات والناشطين النقابيين في صفوف الرابطة إلى دور للتيار النقابي في هذه الانتخابات عبر ترشيح العديد منه، في حين تمارس أكثرية الاساتذة الحزبيين الضغط على أحزابها في السلطة السياسية «لرد العصي عن الحقوق في سلسلة الرتب والرواتب من جهة ودرء مخاطر تصفية القطاع العام عبر وقف التوظيف والمس بالتقديمات الصحية ونظام التقاعد من جهة ثانية»، بحسب ما قال أحد المرشحين، مضيفاً أن «دعوة صندوق النقد الدوليّ منذ نحو 10 أيام إلى الإسراع في إقرار السلسلة في نسختها الأخيرة ليس سوى تأكيد جديد لمخاوفنا من ضرب الحقوق المكتسبة للأساتذة الثانويين».

تظهير الأحجام في المفاوضات

في الواقع، لا تعلن أي من القوى السياسية حتى الآن نيتها خوض «معركة» في انتخابات الرابطة المقررة يوم الأحد المقبل. يختبئ كل فريق وراء مساعي «التوافق» على لائحة ائتلافية تضم الجميع، لاستكمال معركة السلسلة وتجنّب ما يثير الشقاق ومراعاة الظروف الأمنية. إلا أن كل فريق يسعى الى حفظ حصته أو زيادتها بما يتناسب مع ما يراه حجمه التمثيلي الطبيعي. وعلى الرغم من عدم تبلور صيغة نهائية، تضجّ المجالس الخاصة بأحاديث عن رغبة هذا الفريق أو ذاك في تسمية رئيس الرابطة من مندوبيه، وخصوصاً التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وحركة أمل. لا أحد يقول صراحة إنه يتمنى إطاحة واحد من أبرز رموز هيئة التنسيق النقابية، رئيس الرابطة حنّا غريب، ولكن إشاعة الاجواء عن النيّة بترشيح منافسين له يشي بأن هناك من يحاول أن يستدرج الاساتذة الى معركة من هذا النوع في حال توافرت ظروفها.
يستند ممثلو الاحزاب الى الأعداد التي حصل كل حزب عليها في انتخابات المندوبين (يشكلون الهيئة الناخبة)، ولا يتردد بعضهم في تضخيمها بهدف تحسين مواقعهم التفاوضية. يقول وليد جرادي (تيار المستقبل) إنّ تياره حلّ في المرتبة الأولى، إذ لامس عدد مندوبيه ومندوبي حلفائه من قوى 14 آذار نحو 170 مندوباً من أصل 535. ويشير نزيه جباوي (حركة أمل) الى أن حركته فازت بنحو 100 مندوب.
حنّا غريب: لن نقايض
بين المطالب الخاصة والمشتركة

كذلك يلفت يوسف زلغوط (حزب الله) إلى أن حزبه فاز بأكثر من 90 مندوباً. ويرى مفوض التربية في الحزب التقدمي الاشتراكي سمير نجم أنّ حزبه بات يمثل 12% من المندوبين، فيما يفضّل التيار الوطني الحر عدم الحديث عن العدد لأسباب انتخابية. أما «التيار النقابي الديموقراطي المستقل»، الذي يقوده رئيس الرابطة الحالية حنا غريب (الحزب الشيوعي)، فيجزم بأنّه لا يزال يمثل، بمفرده، القوة الناخبة الأولى، وما «ينشر من أرقام مضخمة يحتاج إلى حسابات دقيقة». وترفض «لجنة الحفاظ على موقع الأستاذ في التعليم الثانوي الرسمي»، التي تخوض الانتخابات، الحديث عن أرقام وحصص حزبية ومذهبية. يقول رئيسها فيصل زيود إننا «سندخل المفاوضات الانتخابية على أساس بياننا المطلبي، إذ نأمل التوافق على حق الأساتذة الثانويين في جدول خاص في السلسلة يحفظ مكتسباتهم التاريخية، أي فارق 6 درجات عن الأستاذ الجامعي و14 درجة عن معلم المرحلة الابتدائية و60% عن الموظف الإداري، وأخذ موافقة الروابط الاخرى في هيئة التنسيق على هذا الطرح، لندافع معاً عن المطالب المشتركة للقطاعات الوظيفية ونواجه بنود باريس ـ 3».

صيغة للتوافق

تتمتع رابطة الاساتذة الثانويين بموقع ريادي في هيئة التنسيق النقابية، وتكاد تكون القوة الضاربة فيها، وهذا ما يجعل انتخاباتها ونتائجها تحت الضوء. فقد تعرّضت الرابطة لضغوط كبيرة بهدف تطويعها، بحسب ما يقول ناشطون مستقلون. هؤلاء يخشون مصادرة قرار رابطتهم واحتواءه، ويدعون الى إعلان الرابطة نقابة مستقلة لها شخصيتها المعنوية المستقلة، وصولاً إلى إنشاء اتحاد نقابي عام يمثل موظفي القطاع العام. يرى غريب أن مهمة مثل هذا الاطار النقابي سد الفراغ الحاصل بغياب أداة نقابية مسؤولة ومعنية بمتابعة المطالب المشتركة التي تهم القطاعات كافة، «فالمطالب المشتركة مسؤولية هيئة التنسيق النقابية لأنها تخص كل مكوناتها».
عشية الاستحقاق، يضع غريب الوجهة النقابية التي يأمل وتياره أن تجري الانتخابات على أساسها. برأيه، إنّ «تشكيل الهيئة الإدارية الجديدة للرابطة يجب أن ينطلق من تركيبة الهيئة السابقة كأساس وروحية عمل، فهي كانت هيئة توافقية بامتياز وواسعة التمثيل، تضم قوى نقابية وحزبية ومستقلين، بأشخاصها وتجربتهم النقابية الغنية، فهذا واجب نقابي يجب تقديمه تقديراًَ لمواقف هؤلاء وتضحياتهم خلال التحرك السابق، الذي أعاد الروح إلى العمل النقابي في لبنان باعتراف الجميع». يرى غريب أن «أعضاء ومقرري مكاتب الفروع كان لهم الدور الريادي في تحرك هيئة التنسيق، انطلاقاً من الدور المميز لرابطتهم في التحرك، هذا ما ينبغي تعزيزه». يدعو غريب إلى الاكتفاء بملء المقاعد الشاغرة بفعل التقاعد أو غيره، عبر انتخاب نقابيين شباب، مستقلين وحزبيين، أفرزتهم المعركة الأخيرة، وينشطون حالياً في لجنة الحفاظ على موقع الأستاذ الثانوي وفي التيار النقابي الديمقراطي المستقل. يعتقد أن ذلك يساهم في حماية استقلالية الرابطة، «فالمعركة المقبلة ستكون مصيرية، ما يتطلب هيئة غنية في تجربة أعضائها وكفاءاتهم النقابية». يطالب غريب النقابيين المنتمين إلى أحزاب وتيارات سياسية، موجودة في موقع السلطة، بمضاعفة جهودهم وزيادة تأثيرهم لسد الفجوة، «تلك التي حالت دون تجيير الموقف العام لتياراتهم أو كتلهم أو ممثليهم في السلطة لمصلحة إقرار الحقوق، لا سيما أنهم قدَموا تجربة نقابية مشهوداً لها، لكن هذه التجربة لم تستطع في محصلتها تحقيق مطلب الأساتذة الثانويين ولا حتى ضمان حقوقهم وموقعهم الوظيفي بتوصية أو بوعد، رغم توافقية الرابطة، ورغم ضخامة التحرك الذي نزل فيه أكثر من مئة ألف متظاهر في 14 أيار النقابية».

برنامج انتخابي شبه وحيد

ما عدا البيان المطلبي الذي أعلنته سابقاً «لجنة الحفاظ على موقع الأستاذ الثانوي» والبرنامج الانتخابي الذي طرحه «التيار النقابي الديمقراطي المستقل»، لا تخوض الاحزاب الانتخابات ببرامج معلنة. كل ما في الامر أن هذه الاحزاب تنطلق من كتل تصويتية بين المندوبين لتحدد حصصاً في المفاوضات الجارية. يضع التيار النقابي الديموقراطي المستقل، بحسب غريب، أولويات لبرنامج انتخابي إصلاحي تهدف إلى «رفع المستوى التربوي للتعليم الثانوي وتعزيز نوعيته والاستمرار في مواجهة مشاريع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتحالف السلطوي المالي، الهادفة إلى تصفية ما تبقى من دولة الرعاية الاجتماعية في مشروع السلسلة». يقدم البرنامج، بحسب غريب، بدائل إصلاحية، «بدلاً من وقف التوظيف وتجاوز عدد المتعاقدين الثانويين أربعة آلاف متعاقد، يطرح هذا البرنامج تطبيق مرسوم المباراة المفتوحة لوظيفة أستاذ تعليم ثانوي، المجمد تنفيذه في مجلس الخدمة المدنية منذ عامين، وإقرار مشروع قانون إنصاف المتعاقدين ممن تجاوزوا السن القانونية، ممن أمضوا سنوات طوالاً في التعاقد، واشتراط أن يكون أستاذ التعليم الثانوي حائزاً شهادة ماجستير في الاختصاص المطلوب، وأن يكون بداية راتب الأستاذ الجديد أدنى بفارق ست درجات عن بداية راتب الأستاذ الجامعي المعيد». يرفض البرنامج اعتبار مشروع السلسلة المقترح (وما سبقه من مشاريع) أن الـ10,5 درجات = (60%) هي بمثابة غلاء معيشة يجب احتسابها وحسمها من الزيادة للأستاذ الثانوي، «فهذه الدرجات ليست في الواقع سوى الترجمة العملية للقوانين 66/53 و82/22 و87/45 و99/148 و2011/159 التي كرست حق الأستاذ الثانوي في الـ60% باعتبارها حقه المشروع لقاء زيادة في ساعات العمل وليس بدل غلاء معيشة». يردد غريب أن مشروع السلسلة هو «تصحيح للرواتب المجمدة منذ عام 1996 والذي بلغت نسبته121%، وبما أن هذه النسبة سبق أن أعطيت للقضاة وأساتذة الجامعة، ينبغي، انطلاقاً من مبدأ العدالة والمساواة، إعطاء النسبة عينها لكل القطاعات، ما يقضي بإعطاء الأستاذ الثانوي معدل تصحيح على راتبه مقداره 75% هي النسبة المتبقية من أصل الـ121%، وفق صيغ منها إعطاء نسبة مئوية على راتب الأستاذ الثانوي تدخل في صلب الراتب عند نهاية الخدمة، أو إعطاؤه درجات كمتممات على الراتب، مع الانفتاح على كل الصيغ الممكنة، بما فيها الجدول الخاص في حال التعذَر». يطالب، البرنامج الانتخابي وزير التربية بأن يتبنّى الدفاع عن هذا الحق ويترجمه في مشروع مرسوم في مجلس الوزراء ويجري إقراره، ما يقطع الطريق على إقرار مشروع السلسلة الموجودة في مجلس النواب التي تضرب حقوق الأستاذ الثانوي وموقعه. ويطالب أيضاً برفع نسبة الدرجة على طول السلسلة بنسبة 5% بما يحقق إعطاء نسبة زيادة واحدة بين جميع القطاعات. يقول غريب إنّ «المشروع المسخ للسلسلة، والموجود في المجلس النيابي والذي رفضته الرابطة، وقاطعت التصحيح في الامتحانات الرسمية بسببه، بعدما رفض المسؤولون إعطاء ضمانات بالحفاظ على حق الأستاذ الثانوي المشروع بالـ10.5 درجات = 60%، يجعلنا نحمّل المسؤولية الكاملة سلفاً لكل من يقدم على الموافقة عليه وإقراره في المجلس النيابي بالصيغة المطروحة الآن». ويتعهد بمتابعة المعركة والقيام «بأوسع تحرك خاص برابطتنا رفضاً لما يتضمنه هذا المشروع من غبن وإجحاف بحق الأستاذ الثانوي». لا يعني ذلك الابتعاد عن الروابط الاخرى، بل العكس، يقول غريب، «ففيما نركز على أولوية تحركنا الخاص حفاظاً على حقوقنا الخاصة كأساتذة تعليم ثانوي، يجب ألا ننسى أن حقوقنا المشتركة مع القطاعات الأخرى تعنينا، ونحن غير موافقين على ضربها»، ويضيف أن «المطلوب إيلاء الحقوق المشتركة اهتماماً خاصاً من قبلنا، والتحرك في سبيلها يجب أن يكون مسؤولية مشتركة في هيئة التنسيق النقابية. نريد حقوقنا الخاصة والمشتركة في آن واحد، ومن دون مقايضة إحداها بأخرى، وبقدر ما نحن مع إعطاء حقوق كل القطاعات، فمن البديهي أن نطالب القطاعات الأخرى في المقابل بالوقوف معنا والحفاظ على حقوقنا الخاصة».




140 في المئة


ليس واضحاً حتى الآن ماهية التعديل الطارئ على موقف صندوق النقد الدولي من مسألة سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام. كل ما يتردد عن «نصيحته» بإقرار السلسلة هو كلام منقول بالتواتر عن أحد الوزراء. طبعاً، لا يعني ذلك أن الكلام غير صحيح، ولكنه لم يصدر بأي شكل رسمي عن الناطقين باسم الصندوق أو وثائقه. كل ما هو متاح (قبل نشر تقرير بعثة المادة الرابعة رسمياً) هو تصريح أدلى به مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، الذي زار لبنان في 8-9 كانون الاول الماضي. قال إن «وضعية العجز المالي شهدت تحسناً مقارنة مع التوقعات التي كانت سائدة في وقت سابق (...) نتيجة إنفاق رأسمالي أقل، وتجميد إقرار سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام. إن هذه التطورات ستجعل العجز يتحسن بشكل مستدام ومقبول وهو أمر مطلوب بقوّة، ليضع المالية العامة في لبنان على السكة الصحيحة. وفي حسابات الصندوق، فإن الدين العام يستمر بالتنامي ليصل إلى 140% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية هذه السنة (2014). بالاستناد الى مضمون هذا التصريح، لا يبدو أن الصندوق أدخل تعديلاً جوهرياً على موقفه السابق!