قد يكون الاهم في الحوار غير المباشر الدائر بين الرئيس ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الاسئلة التي يتبادلانها، ويطلب كل منهما من الآخر الاجابة عنها. بالتأكيد لورقتي العمل اللتين يناقشهما المحاوران غير المباشرين، النائب ابراهيم كنعان وملحم رياشي، اهمية، خصوصا وانهما يتوخيان الوصول الى ورقة تفاهم مشتركة يتبناها الزعيمان المارونيان. في ورقتي العمل من حلاوة اللسان ما يكفي لارضاء المسيحيين حيال المواضيع الاكثر اقلاقاً لهم، وتتناول الدور المسيحي والرئيس القوي والمشاركة في الادارة وقانون الانتخاب. بيد ان لا مآل للحوار ما لم يقد عون وجعجع الى تفاهم على انتخابات رئاسة الجمهورية.
ها هما يعودان الى المشكلة التي خبراها معاً، بعنف، عشية اتفاق الطائف عام 1989، عندما تمسّك عون ـــــ وهو على رأس الحكومة العسكرية ــــ بوصوله الى رئاسة الجمهورية وعارضه جعجع. اختلفا على الموقف من استحقاق كان بدأ عام 1988، قبل ان يتورطا في اول نزاعاتهما المسلحة والدموية، ويراكما مذ ذاك جبلا من الاحقاد جيلا بعد آخر. اليوم بانقضاء كل هذه السنين يجلسان على جبل الاحقاد ذلك، ولا ينزلان عنه الا بشروط. الا انهما يوحيان فعلا بالرغبة في الهبوط منه.
يعود عون وجعجع الى لعبة قد تكون قاتلة ـــ وكانت كذلك قبلا ـــ هي خلافهما على انتخاب احدهما لرئاسة الجمهورية، لكن دونما نزاعات دموية. يختصر مصير الاستحقاق الرئاسي عصارة موقف رئيس تكتل التغيير والاصلاح من سائر الملفات المطروحة للمناقشة مع محاوره. ارسل عون الى جعجع بضعة اسئلة اهمها اثنان: مفهومه للمادة 24 من الدستور والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ومفهومه للرئيس القوي.
في حساب عون تعني المناصفة ان يختار المسيحيون نوابهم الـ64 جميعاً، لا اقل ولا اكثر. ويعني الرئيس القوي المشاركة الفعلية للمسيحيين في الحكم بدءاً من رأس الدولة،
ارسل عون الى
جعجع سؤالين عن مفهومه للمناصفة والرئيس القوي



بما يعيد التوازن الى السلطات والصلاحيات والدور. في متن السؤال الثاني آخر يتفرّع منه: ما داما متفقين على ضرورة انتخاب رئيس قوي للجمهورية، وما دام احدهما يقرّ والآخر بأنهما مرشحان قويان، أي مرشح ثالث سواهما يصح وصفه بالرئيس القوي اذا كان يتعذر انتخاب احدهما؟
قد يكون من المبكر للغاية التحدث الآن عن موعد اجتماع الرجلين، قبل ان يكونا حددا خيارهما للاستحقاق الرئاسي، وكيف يخرجانه من المأزق. بل ثمة مَن يراهن على عدم حصول الاجتماع ابدا. قد لا يكون الموعد قريبا، من غير ان يقلل ابطاؤه من مسار الحوار غير المباشر الدائر بين كنعان ورياشي. مع ذلك، تسجّل الرابية بضع ملاحظات تدخل في صلب حوار التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية:
اولاها، ان عون وجعجع، كل من موقعه، يعرف انه في مأزق، وان المسيحيين في لبنان في مأزق، وان الجمهورية برمتها كما الكيان في مأزق، تحت وطأة تسارع التطورات ودخول الارهاب والتيارات التكفيرية على خط النزاعات الاقليمية، ما يجعل المسيحيين ضحايا محتملين للنزاعات تلك. يراقبان معا صعود التيارات السنّية المتطرفة وخطرها على الوجود المسيحي، ويراقبان كذلك الصعود الشيعي في المنطقة. لم يعد حزب الله تنظيما لبنانيا في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع فحسب، بل قوة اقليمية واسعة التأثير والنفاذ في الانظمة حتى، تمتد قدراتها من سوريا الى اليمن مرورا بالعراق والبحرين. بذلك يبدوان في حاجة الى حوار من شأنه توفير الحد الادنى من المناعة للوجود المسيحي بازاء كل الاخطار والتهديدات التي تحوط به، ناهيك بالتراجع الديموغرافي والهجرة والنزوح.
ثانيتها، وصل الرجلان الى اقتناع جدي مفاده ضرورة تفاهمهما. بالتأكيد لا احد في الرابية يشكك في حصول جعجع سلفا على تأييد السعودية قبل ولوجه الحوار مع عون، ومن غير المنطقي الاعتقاد ايضا بمباشرته حوارا مع عون بالذات لا تسمح به الرياض او لا توافق عليه او تشعر بالحاقه الضرر بها، وهي الموصِدة الابواب في وجه وصول رئيس تكتل التغيير والاصلاح الى رئاسة الجمهورية. الا ان هذا الحوار يحمل في ذاته ايضا اسبابا مقنعة لجعجع كي يحاور خصمه: يصبحان وجها لوجه ويتقاسمان الشرعية الشعبية، ويلغي جعجع المسيحيين الآخرين في قوى 14 آذار، وقد جرّب اللعبة ونجح عندما تفرّد بترشحه للرئاسة فأقصاهم جميعا، ونجح في استدراج حليفه تيار المستقبل الى دعم وجهة نظره هذه. من الاصداء التي وصلت الى جعجع من حلفائه في قوى 14 آذار عن حواره مع عون، انه ينتحر سياسياً. البعض الآخر شجعه على التوصل الى نتائج ايجابية، وهو يضع العصي في الدواليب.
ثالثتها، لا حجة لدى عون تجعله، الآن وفي اي مدى قريب، يعتقد باستنفاد حظ وصوله الى رئاسة الدولة. يذهب امام المحيطين به الى ابعد من ذلك: الوقت لا يلعب لمصلحة احد ضد احد، فلنلعب الورقة الى الاقصى. خلافا للقوات اللبنانية موجود في الحكم من خلال الحكومة التي تعمّر ويراعي مصالحه، ولا يفوته اي اجراء لا يوافق عليه. يجد الفرصة اليوم استثنائية لفرض امر واقع مسيحي جديد في الرئاسة، للمرة الاولى، وفي ممارسة المشاركة قد لا تؤتى ثانية، ما يجعله ــــ من دون تخليه عن حذره الدائم ــــ ينفتح على الحوار مع جعجع بايجابية وجدية وحسن نية، ويقرر فعلاً المضي فيه الى ابعد مما يعتقد البعض، وخصوصاً اذا تمكنا من وضع قواعد جديدة برسم الحليفين السنّي والشيعي لقانون الانتخاب يضمن الحقوق المسيحية ويحفظ الدور، مع ان تجربة حوار الفريقين في اقتراح اللقاء الارثوذكسي قبل سنتين كانت مخيّبة.
رابعتها، ما لم ينته التفاوض والحوار الى تكريس تأييد انتخابه رئيسا للجمهورية، لا يرى عون جدوى من الاتفاقات والتفاهمات وأوراق العمل بين الطرفين. الواضح ان ثمة عبارة واحدة قاطعة في الرابية لا تحتمل التأويل تقول: الاتفاق على الرئاسة يغطي سائر البنود.