صنعاء | نجح خبر رحيل فاتن حمامة في إلهاء ناشطين يمنيين كُثر على فايسبوك، ولو قليلاً، عن دائرة الجدال والملاسنات المذهبية التي غرقوا فيها أخيراً. اكتست المساحة اليمنية على الموقع الأزرق بالحزن، كما لو أن رحيل «وجه القمر» يمّسهم في خانة خاصة من ذاكرتهم وأحوالهم الشخصيّة القديمة، كان لسيدة الشاشة حيّز أثير فيها.
جاء الخبر كمناسبة لاسترجاع ذلك الزمن الصنعانيّ الجميل، أيّام كانت المدينة تمتلك صالات للعرض السينمائي كانت تتيح للنّاس مقابلة أعمال نجوم السينما المصريّة المعشوقة، التي شكّلت فاتن حمامة وجهاً مميزاً فيها. لم تكن بعض تلك الصالات تكتفي بعرض الجديد على شاشاتها فحسب، وهي المرحلة التي انتهت بعرض فيلم «أرض الأحلام» (1993)، بل كانت تتيح عرض قديم صاحبة «صراع في الوادي» ومختارات من مراحلها السينمائية المختلفة. هذه الفترة سبقت هبوط المرحلة الظلامية الدينية على البلاد التي أعلن أصحابها حربهم على دور السينما في العاصمة في سائر المدن اليمنيّة الرئيسية، ونجحوا في ختم أبوابها بالشمع الأسود. على هذا ارتبطت صورة سيدة الشاشة في ذاكرة النخبة اليمنيّة بفترة مدَنية أنيقة، تم إزهاق روحها بتوافق دينيّ ورسمي حكومي.
هكذا انفتح الكلام على صفحات فايسبوك ليصل إلى مرحلة ارتبطت بتوقيت عرض مسلسل «ضمير أبلة حكمت» (1992) على شاشة التلفزيون الحكومي، وهي المساحة الصغيرة والفتحة اليتيمة في ذلك الوقت التي كانت تسمح للناس بمتابعة جديد الدراما العربيّة. يعدّ هذا المسلسل الأول لفاتن حمامة في مشوارها على الشاشة الصغيرة من بين عملين وحيدين. جاء توقيت عرضه حينها في سياق مرحلة يمنية فاصلة بدأ فيها ظهورعلامات الانهيار الكبير على كافة المجالات. انهيار سيأتي بشكله النهائي لاحقاً نتيجة لعقلية النظام السياسي اليمني السابق وكيفية تعامله مع الهيكل التعليميّ وإصراره على إهانته وتسفيهه ليبلغ المرحلة التي وصل إليها اليوم. على هذا، تستدعي صورة «أبلة حكمت» وضميرها اليوم، فترة غصّت بشخصيات يمنية تعليمية كانت قادرة على رفض السياسات الهادفة إلى المّس بقدسية العملية التعليمية، عبر تعيين قيادات على هرم المراكز التربويّة لا تتمتع بمؤهلات ولا ميزات علمية سوى قوة ارتباطها برأس النظام الحاكم وجهازه الأمنيّ. لقد كانت مرحلة تحتوي على نماذج كثيرة كــ«ابلة حكمت»، باستطاعتها قول كلمة «لا» أمام النظام الحاكم وإيقافه.
وبالتوازي مع هذا السياق، ذهب النقاش حول خبر رحيل صاحبة «أريد حلاً» لينفتح على مساحة لاستذكار الفترة التي كان فيها التعليم والجهاز التربوي كياناً مقدّساً لا يجوز المساس به أو الاقتراب منه أو التدّخل في شؤونه. كان ذلك قبل أن ينجح نظام علي عبدالله صالح السابق في تفكيكه وجعله كياناً هشّاً وهزيلاً تحت قيادة عناصر أمنيّة، بدءاً من إدارة المدارس، وصولاً إلى رئاسة الجامعات الحكومية. مع هذا النقاش، استعادت «أبلة حكمت» سيرتها يمنيّاً على الفايسبوك، وظهرت كحالة فاصلة بين مرحلتين في حياة أهل اليمن الحزين وإشارة إلى كميّة الانهيارات التي حصلت لهم خلالها. كأنهم هنا يقومون ـ عبر «ضمير» فاتن حمامة وصورتها ـ باستعادة تلك القيمة المفقودة من ذلك الزمان.