منذ إنهاء خدمات رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء ليلى فياض في نهاية عام 2014، اتجهت أنظار التربويين نحو الخيار الذي سيتخذه وزير التربية الياس بوصعب لملء الشغور في هذا الموقع الحيوي في هندسة السياسة التربوية في لبنان. الصورة لا تزال ضبابية، علما بأنّ الوزير اتخذ قراراً حاسماً بعدم التجديد للرئيسة السابقة بعد 13 عاماً من توليها المنصب، فيما المعلومات تشير إلى أنّه رفض الاستجابة لضغوط كثيرة لتغيير قراره.
ينفي بوصعب في اتصال مع «الأخبار» أن يكون لديه «أي موقف سلبي ضد فياض بدليل أنّها لم تذهب بعيداً»، وأوضح أنها انتقلت للعمل مع مكتب الوزير لتكلّف بمهمات استشارية متعلقة بشؤون المركز، «نظراً إلى خبرتها الواسعة في هذا المجال». أما سبب عدم التجديد، فيعزوه بوصعب إلى محاولة ضخ دم جديد، ولا سيما أنّه ينوي تكليف رئيس جديد وتشكيل مجلس الاختصاصيين المعطّل منذ سنوات في سلّة واحدة من أجل إعادة تفعيل دور المركز.
قرار التغيير لاقى صدى إيجابياً في أوساط المعنيين بالتربية. يأمل هؤلاء أن يشكل فرصة جدّية لإعادة الاعتبار للمركز ودوره، وبالتالي أفول مرحلة من حياة المركز التربوي وصفت بـ«السوداء».
يرى الرئيس السابق للمركز نمر فريحة أن الرئيسة السابقة ليست المسؤولة الوحيدة عن الفساد الإداري والمالي. برأيه أنّ « قرار إنهاء خدماتها تأخر كثيراً لأن الوزراء السابقين كانت لهم مصالح صغيرة يحصّلونها بوجود فياض في هذا الموقع، فحافظوا عليها على الرغم من الهدر الهائل في المال العام لتحافظ هي على من يستفيدون من المركز من أتباعهم». بحسب فريحة «إذا كانت التربية محور أي تقدم في أي مجتمع، تصبح جريمة أن يغض المسؤول الطرف عن التجاوزات التي ترتكب فيها».
حالة الفراغ التي يشهدها المركز حالياً ليست جديدة، يقول فريحة، «فالمركز يعاني من الفراغ الفكري والأكاديمي منذ 13 سنة، لقد تم إفراغه من قبل الرئيسة السابقة. واكتفى الجميع بالبحث عن الانتفاع المادي والرشى على حساب نوعيّة المشاريع التربويّة وفاعليّتها! وحتى قرض البنك الدولي المخصص لتحسين المستوى التربوي أنفقوه من دون أن يلمس أي تربوي أو معلم أي تحسن في المستوى ولو بنسبة 1%».
إتلاف أكثر من 120 ألف
كتاب مدرسي بحجة طبع نسخة جديدة منها

يورد فريحة أمثلة كثيرة عمّا يعتبره فساداً وهدراً طبع المركز في الفترة السابقة. يطالب كمواطن لبناني، وباسم كل من يدفع الضريبة من المواطنين، بأن يلاحق القضاء، أو السلطة «الشفافة»، الذين وقّعوا على قرار إتلاف أكثر من 120 ألف كتاب مدرسي بحجة أن نسخة جديدة قد تمت طباعتها. «على المتورطين أن يسددوا ثمن هذه الكتب من مالهم الخاص، فما سمّوه طبعة جديدة منقحة لم تختلف عن سابقاتها إلا بتوقيع ليلى فياض على المقدمة من دون أي حق، فهي لم تشرف على تأليف وطباعة أي كتاب». يصف فريحة ذلك أنه «سرقة فكرية». ليس هذا فحسب، بل يوجه فريحة تهماً بتزوير 123 حوالة مالية، «ولم يحاكم المسؤولون عن هذا العمل، بل وضع الملف في الحفظ».
أزمة المركز ليست محصورة بالفساد. يعتبر التربويون أن إدارة هذه المؤسسة الوطنية الهامّة فشلت في المهمات الثلاث الموكلة إليها: وضع المناهج وتطويرها، إعداد وتدريب المعلمين وإجراء الإحصاءات والدراسات التربوية. تحوّل المركز، كما يقولون، من مركز أبحاث يهندس السياسة التربوية ويشرف على سيرها وتطويرها، إلى موقع وظيفي وزبائني، ما أدى إلى انقطاع العلاقة مع أصحاب المصلحة الحقيقية. لعل أبرز المظاهر على ذلك «الإصرار على التعاقد مع مستشارين يقبعون في الطبقة التاسعة في مبنى الدكوانة. المفارقة أن الرئيسة السابقة جددت لهم لمدة ستة أشهر في اليوم الأخير من خدمتها!»، تكشف مصادر في المركز. «هؤلاء يعملون بموجب عقود استشارية بأجور مرتفعة وموجودون في كل اللجان والمشاريع على حساب الخبراء بالمشروع. يحصل ذلك بدلاً من أن تكون الاستقلالية المالية حافزاً في تطوير المركز والنهوض بالمناهج والأبحاث التربوية ومكتب الإعداد والتدريب».
تشير المصادر أيضاً الى السلبيات الناتجة من خلق وحدات موازية للمركز التربوي ممولة من البنك الدولي وقبول هبات ومشاريع من قبل أكثر من وحدة من دون أن يكون هناك أي تنسيق بينها، ما أدّى الى هدر كبير في المال العام.
تلفت المصادر أيضاً إلى اعتماد «الترقيع» في إعادة النظر بالمناهج التي حصلت أخيراً، «إذ تم نسف عمل دام 4 سنوات وكلّف المركز مليارات الليرات وانتهى بإتلاف كتب أعدت لصفي الأول والثاني أساسي في مواد الرياضيات واللغات العربية والفرنسية والانكليزية وكتب للأنشطة، كونها غير مطابقة للمعايير الدولية، علماً بأنّه تم وضعها قيد التجربة في 48 مدرسة في كل لبنان ودرّب المعلمون عليها».
ما هو المطلوب من الرئيس الجديد؟ يرى خبير تربوي عايش المركز أكثر من 40 عاماً أنّ الشرط الأساسي لنجاح الرئيس الجديد هو إيمانه باستمرار المركز التربوي وبأهميّة دوره في تطوير التربية في لبنان. يقول إنّ المهمة الأساسية التي يجب أن يقوم بها هي تعيين مجلس الاختصاصيين الغائب حالياً وهو بمثابة مجلس الإدارة، وتنص قوانين وأنظمة المركز على أن يتألف من أربعة أعضاء من حملة شهادة الدكتوراه ويرأسه رئيس المركز. وكانت فياض قد اختصرت المجلس بها، علماً بأنه يمتلك صلاحيات أساسية؛ منها مناقشة مشروع الموازنة وإقراره، إقرار خطة العمل السنوية والأنظمة الداخلية والوحدات المرتبطة بأجهزة المركز، التعاقد مع المرشحين للعمل في مختلف النشاطات وفسخ التعاقد وتجديده عند اللزوم وترشيح ممثلي المركز في لجان التخطيط العام وقبول الاشتراك في المؤتمرات، إضافة إلى إقرار جميع المشاريع التربوية والإنمائية. ومن مهمات المجلس أيضاً إبداء الرأي وتعديل القوانين والأنظمة وتقرير اعتماد الكتب المدرسية والمنشورات والوسائل التربوية في التعليم.
يدعو هذا الخبير، وهو عضو سابق في مجلس الاختصاصيين، إلى ملء الشواغر بتعيين المدير الإداري ورؤساء الأقسام الأكاديمية. وعندما يكتمل الجسم الإداري الفني، يجب أن ينكب المركز على إجراء دراسة عن واقع المعلمين في كل المراحل التعليمية وكيفية توزيعهم وإجراء مقارنة بين عدد الساعات الفعلية المطلوبة حالياً وعدد الساعات الفائضة، وإعادة فتح دور المعلمين وكلية التربية، فضلاً عن تطوير هيكلية المركز في ضوء التجربة منذ تأسيسه في عام 1971 وحتى اليوم، ولا سيما على مستوى المعلوماتية واستخدام التقنيات الحديثة. ويلفت الخبير نفسه الى إعادة تفعيل دائرة المشاريع والبحوث التربوية للنظر في المشاريع المعروضة من المؤسسات الدولية وذلك منعاً لتكرارها، وهو ما يحدث في أغلب الأوقات.
وتلفت اختصاصية في إحدى المواد التعليمية في المركز إلى أهمية أن يكون الرئيس ملماً بمشاكل التربية وقادراً على اجتراح الحلول وتقديم المشورة والأفكار والمقترحات لوزير التربية. يعيد تغليب الهم التربوي، كما تقول، واستقطاب خبرات وكفاءات علمية وتربوية هربت في المرحلة السابقة من المركز، لكونها رفضت منطق «دافنينو سوا».
ترى أن المركز لا يستمر باعتماده على جهاز إداري غالبيّته من المتعاقدين (أقل من 18 موظفاً في الملاك) والسكرتيرات، بل يحتاج إلى خبراء حقيقيين في الإدارة التربويّة ليتمكن من القيام بالأدوار الكثيرة المنوطة به، وخصوصاً تفعيل دور المعلمين وإدارة التدريب المستمرّ وتقويمه وتطويره، وإدارة تأليف الكتاب المدرسي والأبحاث وإدارة المشاريع التي يكون شريكاً في تنفيذها مع الجمعيات الدوليّة.
مهمة التدريب المستمر ليست تفصيلية تتعلق بحضور هذا الأستاذ أو ذلك في الدورات التدريبية، تقول، «بل هي واحدة من أدوات التغيير الوطنية الأساسية والإصلاح الاجتماعي والتربوي في البلد». مطلوب من الرئيس، بحسب الاختصاصية، أن يتقن لغتين على الأقل ليفاوض بسهولة الأطراف المانحة من المنظمات الدولية مثل الأونيسكو والبنك الدولي واليونيسف والوكالة الأميركية للتنمية الدولية والوكالة الفرنسيّة للتعليم في الخارج، فيسخّر الأموال لمصلحة المشاريع والخطط التربوية الوطنية، لا أن يسخّر التربية لخدمة مشاريعهم وأولوياتهم! ومع أنّه تم حصر البحث في كتاب التاريخ بالأطراف السياسية، فإنّ ذلك لا يعفي رئيس المركز من طرح رؤيته واقتراحاته في هذا المجال، تقول وتقترح التحسين على قاعدة مأسسة المشاريع المرتبطة بالتطوير التربوي المستمر، إذ يكفي إلقاء نظرة متأنية وموضوعية إلى ظروف إنشاء المركز والسنوات التي قضاها منذ عام 1975 حتى اليوم لتأكيد استحالة بناء وطن من دون استراتيجية تربوية.




385,9 مليار ليرة

بلغت الإيرادات من الرسوم على المواد الملتهبة نحو 385,9 مليار ليرة في الأشهر التسعة الأولى من العام 2014. بالمقارنة مع نحو 362,4 مليار ليرة في الفترة نفسها من العام 2013. بتراجع -68,049 مليار ليرة، وما نسبته -6.78%. وبحسب البيانات الصادرة عن وزارة المال أمس، شكّلت هذه الرسوم نحو 7.85% من مجمل الإيرادات المحققة في هذه الفترة. وهذا دليل على وزنها الكبير في النظام الضريبي الذي يرتكز بشكل حاد على ضرائب الاستهلاك. المعروف أن دولاً كثيرة في العالم لجأت الى فرض ضرائب عالية على استهلاك الوقود بهدف جباية الإيرادات والحد من الاستهلاك والضرر على البيئة، إلا أنه في ظروف لبنان يُعد الأمر بمثابة «خوّة» مكروهة، فالسياسات المعتمدة منذ التسعينيات قامت على تشجيع الانتقال بالسيارات الخاصة وتدمير كل نظم النقل العام المشترك، وبالتالي إجبار المقيمين في لبنان على استنزاف ميزانيات أسرهم بأكلاف النقل.