لعل أجمل تعليق اسرائيلي على استنفار تل ابيب وترقّبها رد حزب الله على اعتداء القنيطرة، على قساوته، تعليق احد الكتاب الاسرائيليين الذي اشار الى "نكتة" قديمة عن مازوشي يتوسّل ساديّاً قائلاً: "اضربني واركلني واجلدني"، فيجيب السادي بابتسامة خبيثة: "لا، لن افعل ذلك"!الوقت ليس للسخرية. الا ان مقاربة بعض من في تل ابيب، وبعض كتّابها ومعلقيها، لمرحلة ما بعد الاعتداء، والانتظار المترافق بقلق وتوتر ازاء الرد، يحملان الكثير من "التنكيت".

اولا: اسرائيل لا تعترف بأنها شنت الاعتداء في القنيطرة، وتقول في الوقت نفسه انها اضطرت الى شن اعتدائها لأن الخلية كانت على وشك مهاجمة اسرائيل. اعلامها يشير الى ان "قواتنا صفّت خلية مخربين في القنيطرة". وهي لا تعترف. وفي الوقت الذي تؤكد فيه، حتى النخاع انها نفّذت الاعتداء، تصرّ على انها لا تريد ان تعترف. ويماشي الاعلام العبري الرواية الرسمية، فهذه هي مشيئة الرقابة العسكرية. لذلك، يرافق مصطلح "بحسب مصادر اجنبية"، دائما، كل تقرير اعلامي يصدر بالعبرية عن اعتداء القنيطرة.
ثانياً: مع انه ثبت ان لا "ابو علي طباطبائي" في الموكب المستهدف في القنيطرة، الا ان الكتابات الاسرائيلية، حتى يوم أمس، لا تزال تعلق على استهداف "ابو علي الطباطبائي"، حتى بعد مرور اكثر من اسبوع على الاعتداء. الطباطبائي، غير الموجود، يرد اسمه احياناً على انه قيادي ايراني كان في الموكب المستهدف الى جانب الجنرال محمد عليالله داد، وتارة كأحد قادة حزب الله. وقد أسهب أحد التقارير الاسرائيلية في شرح أهمية "الصيد الثمين" الذي استهدفته اسرائيل: الطبطبائي المزعوم هو القيادي الذي اوكل اليه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله التخطيط لاحتلال الجليل. اي ان "اسرائيل اصطادت الشخص الذي اذهب النوم من عيون ضباط الجيش الاسرائيلي"، بحسب احد التقارير، وذلك قبل ان يفعّل خطة احتلال ارض اسرائيلية!
ثالثاً: برغم اعلان الحرس الثوري الايراني استشهاد العميد عليالله داد في الاعتداء في القنيطرة، يواصل بعض الاعلام العبري الحديث عن ستة ايرانيين كانوا في الموكب الى جانب ستة لبنانيين. ويفترض ان هؤلاء الـ 12 كانوا محشورين في سيارتين جرى استهدافهما. وبرغم ان الرواية العبرية شبه الجامعة صوّبت، في اليومين الثاني والثالث على الهجوم، بأن عليالله داد هو الايراني الوحيد في الموكب، ما زال عدد من الكتاب يورد في تقاريره ان خمسة سقطوا الى جانب العميد الشهيد. هذا ما ورد في مقالات نشرت في صحيفتي "معاريف" و"جيروزاليم بوست"، وايضا في تقارير بثت على القناتين العاشرة والثانية، والمفارقة انها مقالات جاءت الى جانب مقالات اخرى، تحصر الخسائر الايرانية بالعميد عليالله داد. وكما هي بالنسبة الى "ابو علي طباطبائي"، لدى ايران خمسة شهداء مجهولين!
رابعاً: اطل معلق الشؤون العربية في القناة العاشرة، تسفي يحزقيلي، بتقرير مبتكر غير مسبوق، يشرح فيه وضع السيد نصر الله و"ضائقته". التقرير بث أول من امس في النشرة الاخبارية الرئيسية للقناة، وخصص للتعليق على كلمة نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم. بحسب يحزقيلي، يأتي الظهور الاعلامي للشيخ قاسم لأن السيد نصر الله غير قادر على الظهور اعلاميا، اما السبب، بحسب المعلق الاسرائيلي الفذ، فلأنه ليس في جعبته ما يقوله، واذا ظهر على الشاشة، فسيضطر الى تهديد اسرائيل وهو يعلم بانه غير قادر على تنفيذ تهديده! علما ان يحزقيلي يعرف، ويعرف الاسرائيليون ايضا، أن ظهور السيد نصر الله قريب، وقد اعلن عن ذلك، وتداول الاعلام العبري خبر الكلمة المنتظرة يوم الجمعة المقبل.
خامساً: طلبت الرقابة العسكرية، بحسب ما نشرت وسائل الاعلام العبرية، من المراسلين العسكريين اعداد تقارير اخبارية تتحدث عن الاستنفار العسكري للجيش الاسرائيلي في الشمال والاستعدادات لمواجهة اي تصعيد. ونقل مراسل القناة العاشرة من الشمال، في تقرير بث مرارا في النشرة المركزية والمواجز الاخبارية، ان الطرقات مليئة بالدبابات وناقلات الجند والوحدات العسكرية التي تتجه شمالا للتمركز على الحدود الشمالية وتعزيز الخط الحدودي مع لبنان وسوريا. ولم يقتصر المراسل على بث تقريره كما طلبت منه الناطقة باسم الجيش الاسرائيلي، بل اكد ان «هذا التقرير مطلوب مني بثه وهو مخصص تحديدا للجانب الثاني من الحدود، الى السوريين واللبنانيين والايرانيين، والقول لهم ان الجيش الاسرائيلي مستعد ويقظ لمواجهة اي هجوم انتقامي".