كانت أولى أهداف الكيان الصهيوني منذ 1948 انتزاع الاعتراف الدولي في مرحلة أولى بشرعيَّة وجوده، وفي مرحلة ثانية انتزاع الإعتراف العربي الرَّسمي ثمّ المرور، في مرحلة ثالثة، لتثبيت حقيقة الاحتلال في الذهنية العربية الشعبيَّة. العدُوّ الصّهيوني تجاوز المرحلة الأولى والثَّانية، وهو من هذا الموقع يعتبر كل اعتداء عليه عملاً إرهابياً وعدواناً سافراً على سيادته، وحتَّى الأنظمة العربية العميلة والرجعية في المنطقة توافقه في ذلك، وتتآمر على كل أشكال المقاومة وتتصدَّى لها. لكن ما يحُول دون تمرير هذه الاستراتيجيَّة بسلاسة ويؤرِّق قادة العدو الصُّهيوني هو وجود إيران وسوريا وحزب الله.
هذا المحور، الذي يضمن المحافظة على توازن سياسي وعسكري ضد الكيان العنصري الإسرائيلي، يُعامل الدولة الصهيونية بمرجعيّة ما قبل المرحلة الأولى. بمعنى أن حزب الله وحليفيه يرفضون ــ إلى حدّ الآن ــ الخضوع لمنطق «الأمر الواقع» الذي يفترض الاعتراف بـ»إسرائيل». إنَّ الاعتراف بشرعيَّة إسرائيل ليس مجرَّد ورقة يتِمُّ المصادقة عليها بل هو إجراء له استتباعاته السياسيّة والعسكريّة، والكيان الصُّهيوني يَعِي أهميّة هذه المسألة منذ تأسيسه، لذلك حاول، منذ سنوات، بشتَّى الوسائل إدخال سوريا إلى «حظيرة المعترفين». لكن سوريا أيضاً، تعي بدورها خطورة هذه المسألة لذلك رفضت كلّ الإغراءات وصمدت في وجه الحصار، وهي تقاتل اليوم أدوات الثَّالوث (الرجعية العربية و»إسرائيل» والإمبرياليّة) من تنظيمات إرهابية إسلامية وتشكيلات مسلَّحة، تتلقّى تدريبات عسكرية في تركيا أو الأردن.
إنَّ الاعتراف بشرعيَّة
إسرائيل ليس مجرَّد ورقة يوافَق عليها
وأحد أسباب هذه الحرب على سوريا هو أنّها تمثّل نشازاً بجانب أنظمة تتفنَّنُ في العزف على وتر العمالة للعدوّ. حاول الكيان الصهيوني عام 2006 تدمير الواجهة الأولى والتعبير العسكري الأوضح لهذا المحور، وقد مُنِي آنذاك الجيش الصهيوني بهزيمة مدوِّية. خلال تلك الحرب ساندت إيران وسوريا حليفهما حزب الله، واليوم تحاول «إسرائيل» من جديد كَسر المحور عبر بوابة سوريا وشنّ حرب بالوكالة عليها عبر تقديم الدَّعم المادي والعسكري واللوجستي لحلفائها الإرهابيين على أرض سوريا، وكما في حرب عام 2006 فإنَّ إيران وحزب الله يساندان سوريا ويقاتلان إلى جانبها في هذه الحرب. يعمل «محور المقاومة» ككتلة موحَّدة ومتكاملة، وما يعزِّز هذا التَّوجّه هو إعلان الأمين العام لحزب اللّه حسن نصر الله، منذ أشهر، عزم الحزب دخول المجال السُّوري لمواجهة الكيان الصهيوني. وما يمثِّل خلفيةً لتحرُّكات المحور هي المسألة، المشار إليها في بداية المقال، وهي عدم الاعتراف بشرعيّة الكيان الصّهيوني. لذلك ربّما وجد بعض كوادر حزب الله بصحبة الجنرال الإيراني في مدينة القنيطرة السوريَّة، وربّما كان العدوّ صادقاً حين قال إنّهم كانوا يخطِّطون لتنفيذ عمليات ضدَّ «إسرائيل». هذه العمليّات، لو تمَّت فعلاً، لكانت أعمالاً مُدانة وإرهابيّة بمقاييس «المُعترفِين»، أمّا في نظر «الرافضين للاعتراف» فهي طبيعيّة، بل إنّه من التقصير أن تَغِيب تلك العمليَّات. فطالما هناك إحتلال صهيوني لفلسطين ولأجزاء أخرى من الوطن العربي، فمِن الطّبيعي أن تكون هناك مقاومة من كلِّ الاتجاهات وعلى كل الجبهات بهدف إزالة الكيان الصهيوني وتدمير مؤسساته. هذا هو المنطق الذي يجب أن يَحكُم تفكير كل الوطنيين والثوريين وكل الشعوب العربية. وانطلاقاً من هذه الرُّؤية، يمكن أن نجيب وزير الدفاع الصهيوني حين تساءل: «ماذا كان يفعل أعضاء من حزب الله في القنيطرة؟» كالآتي: «وماذا تفعل أنت على أرض فلسطين؟».
شهداء حزب الله والشهيد الجنرال الإيراني محمد علي الله دادي كانوا في القنيطرة لأنّه على بُعد كيلومترات باتّجاه الجنوب من تلك النُّقطة توجد دولة الاحتلال الصّهيوني، وعلى بُعد كيلومترات باتّجاه الشمال توجد أدوات دولة الاحتلال من التنظيمات الإرهابية الدينية و»المعتدلة». وبتعبير آخر لأنَّ «القنيطرة عَيْنٌ على سوريا وعلى فلسطين».
* كاتب تونسي