زياد في البلونوت: حفلة أخيرة؟

"صار اليوم شي مهم بيسوي الواحد يحكي عنو.. لانو كنا متوقعين، من بعدو يعني، انكن ما تجوا او انو صاحب المحل يلغي مثلاً.. بس رجعنا قلنا انو فليكن. ليش لا.. بيمشوا سوا. من ميزاتنا كلبنانية انو فينا نعمل مية شغلة مع بعض. وبعدين ما بتصور في بتل ابيب الليلة ملاهي عم تشتغل متلنا! وهيدا معناتو شي. بعدين هيدا الحكي مش بالسياسة.. هيدا شي بالوطنية.. يعني بيعنينا كلنا".

بهذا الكلام الذي كان متوقعاً سماعه منه بعد عملية المقاومة في مزارع شبعا، بدأ زياد الرحباني حفلته "الأخيرة" (مبدئياً) كما كان قد وصفها، في ملهى "البلونوت" البيروتي العتيق أمس. لم يكن المكان يغصّ بالرواد كما يحصل دوماً، خصوصاً إن كانت القاعة نسبياً صغيرة. فالشارع، بعيد ساعات من العملية كان "متوجساً" أو فلنقل بحالة ترقب، قبل أن ينفرج بعد أن بدا واضحاً أن الإسرائيليين "بلعوها"، تفادياً لتطور أعظم بدا واضحاً أنهم غير جاهزين له.
مزاج الرحباني كان رائقاً، تماماً كما وصف نفسه في سلسلة مقالاته الأخيرة في "الأخبار" المعنونة "فليكن"، التي افتتحها بعد اغتيال إسرائيل لشهداء القنيطرة. ففي مثل هذه الحالات، يجوهر زياد، فعدوّه الأساسي هو تلك الحال من الجمود القاتلة التي تجتر نفسها، وهي حال لا يطيقها، خاصة أنه يبدو مقتنعاً بأنه لا جمود في أوضاع مثل أوضاعنا: فإما التقدم أو التراجع.
هكذا، بثت تطورات المنطقة في الرجل روح الحماسة، ولو أنه لا يبدو أن شيئاً سيثنيه عن عزمه على التوجه إلى برلين (لا روسيا) للاستقرار هناك، حيث تنتظره مشاريع عدة قد يكون أهمها، بعد الموسيقى، فيلم قد يكون أول أفلامه التي قد تعوضنا عن عزوفه عن كتابة المسرحيات (لا عزاء عن ذلك ولكن...).
حفلة أمس كانت مفعمة بالحيوية والمزاج الطيب، خصوصاً أنه قدم مقطوعات رائعة، وأن بعض العازفين "جوهروا" بتغريدهم السولو، مثل عازف الساكس الياس المعلم والترومبيت مارتن لوياتو، كذلك قدّم أصواتاً جديدة يتوقع أن يكون لها دور في أعمال قد يقوم بها في غربته العتيدة، لكونها أصواتاً مجيدة بالغناء الغربي عموماً.
من هذه الأصوات صبية تدعى "ستيفاني سوتيري تيري يا حمامة" كما قدمها مازحاً ببديهته السريعة المعتادة.
صوت سوتيري "جازي" يقارب أداء السود وجرأة في التحرك بثقة على المسرح، ما بث روح التنافس الظريف مع زميلتها المغنية الأقدم مع زياد تينا يموت، ذات البحة الحلوة، والتي تغني الغربي والشرقي، والتي قطعت شوطاً كبيراً منذ بداية تعاونها مع الرحباني، فأصبحت تجرؤ على الغناء بثقة أكبر و"رهبة" أقل... هكذا رحب الجمهور، مصفقاً ضاحكاً حين أعلن زياد عن التالي في البرنامج، وهو "أغاني باللغة الأم"، كما قال ضاحكاً، يقصد أغاني والدته فيروز، التي كان من المفروض أن تؤديها تباعاً مغنيتا السهرة كل واحدة بدورها وبلونها الخاص.
لكن تبين أن الصبية الجديدة غير جاهزة لذلك، فغنت يموت "وقت اللي بتحكيلي" و"بلا ولا شي" فيما "تبارت" الفتاتان بغناء "Fever" و"ورق الخريف" وأغنية راي تشارلز العظيمة "هيت ذا رود جاك". وبدا الجمهور متحمساً، خصوصاً في الجزء الثاني من الأمسية حين أشعلت المغنيتان حماسته بأداءٍ ظريف مسرحي خلال الغناء، وحين عزف زياد معزوفاته الرائعة مثل "أسعد الله مساءكم".
يذكر أن البرنامج تضمن أيضاً مختارات من مفضلات زياد الموسيقية مثل "يارد بيرد" Yard Bird لشارلي باركر، و"مطر لطيف" Gentel rain لجو سامبل و"تشيز كايك" لدكستر غوردن.
ويبدو أن الرحباني عزم في النهاية وتوكل، أي قرر أن يخرج كل ألحانه المعطلة بانتظار الوالدة أو إيجاده صوتاً استثنائياً، وأن يوزعها، لئلا تموت في الأدراج كما حصل لغيرها، على مجموعة أصوات جديدة، يعمل على تدريبها وتهذيبها منذ فترة، تماماً مثل تينا يموت التي ستغني على ما يبدو أغنية "لاحق ترجع ع دبي". مع العلم أن كل تلك الأغاني ستكون في أسطوانة واحدة، بمعدل أغنية لكل صوت.
وهو حل يبدو معقولاً وأفضل بكثير من أن يخص مغنية واحدة ببضع أغانٍ عظيمة تزيد من إحساس السامع بضآلة صوتها، مقارنةً بما رسخ في الذاكرة من صوت مرافق لالحان زياد. وعليه؟ وبالانتظار... فليكن.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

أريتري مُحتال أريتري مُحتال - 2/1/2015 6:27:26 AM

يُفهم أن لا أمل في اسطوانة مُحتملة بين زياد ووالدته !

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

صالح صالح - 1/30/2015 1:56:37 PM

ألا تبقى يعني أنك اقتنعت بأننا شعب لا يستحق أن يستمع إلى موسيقا جميلة، أصيلة، وعبقرية ولن أفسر لماذا لأنك تعرف عن نقسك وعن موسيقاك أكثر مما نعرف نحن، ولأن المجال هنا لا يسمح. ألا تبقى يعني أن ألمانيا والشعب الألماني يستحق عباقرتنا الموسيقيين والفنانين النادرين أكثر مما نستحقه نحن. أنا أعرف أن ذلك غير صحيح، فهم قد تقدموا كثيرا أما نحن فإن صراعنا أيضا ثقافي وفني وموسيقي بالأهمية نفسها التي تميز النضال العسكري والسياسي والاجتماعي. ونحن عرفناك مناضلا على هذه الجبهات كلها لا تكل ولا تمل بل تواصل لأنك في صميم عقلك وقلبك تعرف أن جهدك الفني الذي يشبه الحفر في الصخر والحجر هو أيضا جزء من هذا النضال الطويل الذي عرفناك دائما في مقدمته. ألا تبقى لن يعني أن شعبنا العربي سيشهد تراجع واحد من عباقرة الموسيقا العربية لصالح ما هو فاسد وقبيح مما نحاول ألا نسمعه أو نشاهده حفاظا على ذائقتنا الفنية التي تخوض المعركة نفسها التي تخوضها أنت. لن يعني ذلك لأننا سنبقى نسمع موسيقاك بالضبط كما نواصل سماع موسيقا عبقري الموسيقا العربية الآخر سيد درويش. ما بين سيد درويش والسيد زياد الرحباني، مر على الموسيقا العربية مئات المبدعين الذين نحبهم ونحب مؤلفاتهم وأصواتهم. لكن السيد درويش والسيد زياد يجلسان على قمة ذائقتنا الموسيقية، وعلى قمة مزاجنا الفني، وهو أمر يستحق أن تبقى من أجله في لبنان وأنا أعرف أن الكوكب لم يكن أصغر مما هو عليه اليوم، لكننا يا زياد أحق بك رغم كل شيء.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم