كان ملف القروض الإسكانية وفق البروتوكول الموقع بين جمعية مصارف لبنان والمؤسسة العامة للإسكان محور أخذ وردّ بين طرفي البروتوكول طيلة عام 2014. حاولت الجمعية في مطلع عام 2014 أن تستدرج حاكم مصرف لبنان لاتخاذ قرار يتيح لها تحرير مبالغ إضافية من الاحتياط الالزامي مقابل الاستمرار في هذه القروض، أو الاستحصال على دعم أكبر من مصرف لبنان لآلية القروض السكنية.
وفي حزيران تبيّن للجمعية أن مؤسسة الإسكان تعجز عن سداد التزاماتها تجاه البروتوكول، ما أدّى إلى استحقاق مبالغ مالية كبيرة كانت تقدّر في ذلك الوقت بنحو 30 مليون دولار. كذلك، تبيّن أن الدين المترتب للمصارف على المؤسسة أصبح يزداد بوتيرة متسارعة، فاستنفرت الجمعية وعقدت اجتماعات موسعة أفضت إلى اتخاذ قرار بالتريّث في منح الزبائن قروض سكنية من خلال البروتوكول المذكور في انتظار البحث عن حلّ يناسبها.


موقف متطرف

المشكلة في ذلك الوقت، أن ديون المؤسسة ديون مكفولة من الدولة اللبنانية، وبالتالي فإن تسجيلها في دفاتر المصارف يخلق إشكالات محاسبية لأنه لا يمكن تحصيلها بالطرق القانونية المتبعة، فضلاً عن أنه يفرض على المصارف أن تأخذ مؤونات إضافية مقابل هذه الديون المتأخرة في انتظار أن تسدّدها الدولة. هكذا ذهبت المصارف في اتجاه موقف «متطرّف»، فبدأت توقف التعامل بهذا المنتج بصورة تدريجية، ولم يمض وقت طويل قبل أن تنسحب المصارف الكبيرة من هذه الآلية، فيما بقيت فيها المصارف الراغبة في زيادة حصتها السوقية والاستفادة من حصّة المصارف المعتكفة.
في هذا الوقت بدأت الاتصالات تنشط في اتجاه حلّ يقضي بدفع المتأخرات للمصارف من خلال منحها سلفة خزينة. وبالفعل، وافق مجلس الوزراء على سلفة خزينة بقيمة 30 مليار ليرة، إلا أن بعض المصارف لم تلغ قرارها السابق بوقف منح قروض الإسكان، وذهب العائدون عن الاعتكاف في اتجاه التشدد أكثر في منح هذه القروض المدعومة من مصرف لبنان ومن الدولة اللبنانية.


صندوق الفرجة

إزاء هذه الوقائع، وقفت إدارة المؤسسة العامة للإسكان موقف المتفرّج من هذه القضية. لم تجرؤ على القيام بأي خطوة لتحجيم دور المصارف أو لتأنيبها أو إنذارها...
استمرّت المصارف بتعليق قروض الإسكان بذريعة أنه يجب إيجاد حلّ جذري

ولم تتمكن من تغيير قواعد اللعبة التي فرضتها جمعية المصارف بما يتناسب مع مصالحها، وانتظرت بكل هدوء أن تعود المصارف عن قرارها السابق. غير أنه عندما صدر مرسوم منح المؤسسة سلفة الخزينة في مطلع أيلول 2014، لم يصدر أي قرار عن المصارف، بل استمرّت في بتنفيذ قرارها الرامي إلى وقف قروض الإسكان بذريعة أنه يجب إيجاد حلّ جذري لمشكلة عجز المؤسسة، ثم عمد بعضها إلى إجبار الزبائن على توقيع وثيقة تفرض عليه فوائد مرتفعة إذا تأخرت المؤسسة عن سداد ما يستحق عليها للمصارف.
وفي خضمّ هذه القصة، حاولت المصارف أن تشتري سندات الدين من المؤسسة العامة في محاولة منها لتحصيل عوائد إضافية تجعل هذه السندات «جائزة ترضية» لها. وعندما جوبه الطرح بالرفض، حاولت أن تستدرّ مساعدة مصرف لبنان لتحصيل دعم إضافي لهذه القروض بما يزيد هوامش أرباحها، غير أنها فشلت في ذلك... لكن المصارف الكبيرة اكتشفت لاحقاً أن حصتها السوقية باتت معرضة للتغيير، علماً بأن آلية الإقراض السكني توفّر للمصارف محفظة تسليفات تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار، وأن هناك مصرفين يستحوذان على حصّة سوقية توازي 40% منها، وأن رئيسي إدارة هذين المصرفين يعبّران في مجالسهما الخاصة عن «فخرهما» بهذه النتيجة التي تدرّ للمساهمين أرباحاً جيدة. وبحسب المعطيات السوقية، فإن معدلات الفائدة على قرض الإسكان يصل إلى 5%، أي إن العوائد الصافية التي تحققها هذه المحفظة تبلغ 150 مليون دولار.

الشكوى مذلّة

برغم ذلك، استمرّ سعي جمعية المصارف للانقضاض على المنتج المعروف باسم «قروض المؤسسة العامة للإسكان». فهي على علم مسبق بأن وزير المال علي حسن خليل وقع مشروع سلفة خزينة بقيمة 40 مليار ليرة للمؤسسة لتسديد ديونها عن عام 2014 البالغة 33 مليار ليرة. وبحسب مصادر مطلعة، فإن إدارة المؤسسة اتفقت مع وزير المال على إدراج مبلغ 130 مليار ليرة في موازنتها لعام 2015 لمساعدتها على تخطّي أي عجز مالي قد تمرّ به ولتمكينها من الاستمرار بمنح قروض سكنية مدعومة الفوائد.
في مواجهة هذا الواقع، تعاطت المصارف بطريقة مختلفة، فقد أثارت «الملف الشائك» مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لأنه «يهدّد آلية الإقراض السكني من خلال المؤسسة العامة للإسكان»، فأتاها جواب سلامة: «يُفضل في انتظار بلورة المعالجات الممكنة: إيفاء الدولة بتعهداتها، تسجيل الفوائد بالتكافل والتضامن على زبائن المؤسسة، تمديد دعم مصرف لبنان للمرحلة الثانية للحفاظ على الفوائد المدعومة للمستفيدين من هذه القروض السكنية».