لا يمكن الاستمرار في التعامل مع قضايا الطقس والمناخ في لبنان كما يحصل حالياً من جانب والإعلام ومؤسسات الدولة. حالة الهلع التي ترافق كل عاصفة تتوزع على 3 محاور: أولا الاعتماد على الذاكرة الشخصية للناس، ثانياً التسطيح الإعلامي في التعامل مع قضايا المناخ وأخيراً «الاستعراض» الذي تمارسه المؤسسات العلمية عبر إطلاق تسميات عشوائية على «عواصف» قد لا تنطبق عليها صفات العواصف.
من المهم جدا رفع الوعي لدى المواطنين من اجل وضع الظواهر المناخية التي يشهدها البلد في إطارها العلمي؛ فهذه الظواهر لا يمكن عزلها عن التغير المناخي الحاصل في العالم، ما يتطلب المضي في سياسات مركزية وتغيير في عادات الافراد من اجل التأقلم مع التغييرات الحاصلة. هذا ما يردده الخبراء في شؤون البيئة والمناخ.
ما شهدناه خلال الايام
الماضية ليس استثنائياً

يؤكد مدير أبحاث تغير المناخ والبيئة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، نديم فرج الله، ان «ما شهدناه خلال الايام الماضية ليس استثنائياً، هذه عاصفة تأتي سنويا لمدة تراوح بين 3 و5 أيام «، يقول ان متوسط سرعة الرياح بلغت 40 كيلومتراً في الساعة وهي سرعة كبيرة، لكن لا يجوز المبالغة كما يحصل حاليا، فما جرى من انهيار للطرقات (اوتوستراد ضبيه) واقتلاع للوحات إعلانية، سببه ضعف البنى التحتية والعشوائية في توزيع اللوحات الإعلانية، لا «استثنائية» العاصفة.

تسطيح الوعي

التعاطي مع العواصف في السنوات القليلة الماضية أصبح يتّخذ منحى «تسطيحيا» ويبتعد عن إطاره العلمي. أول ما يلفت اليه فرج الله هو التسميات التي تُطلق على كل عاصفة، إذ «هناك معايير ومواصفات علمية للتسميات، وهي لا تُعطى اطلاقاً بالطريقة الاعتباطية الجارية حاليا، ما يؤدي الى هلع لدى الناس بمجرد اطلاق تسمية». يشرح فرج الله ان اطلاق التسميات يتطلب التدقيق في سرعة الرياح، الضغط الجوي، الكتلة الهوائية وغيرها من العوامل. لذلك تُطلق التسميات فقط على الاعاصير والعواصف الاستوائية، لأن كل ظاهرة مناخية أخف من العاصفة الاستوائية تُعد عاصفة عادية. أما التسمية، فتُطلق وفق الترتيب الابجدي، فتبدأ العاصفة الأولى بحرف «أ» وهكذا دواليك.
من جهة اخرى، يشير فرج الله الى انه لا يمكن الاعتماد على الذاكرة الشخصية للناس وإطلاق الأحكام من دون التطرق الى مشكلة التغير المناخي، فالكلام الذي أُشيع في العاصفة الماضية عن انخفاض معدلات الحرارة على نحو غير مسبوق هو كلام غير دقيق. يذكّر بالعاصفة التي ضربت لبنان عام 1992 وأخرى عام 1983.
تدخل هذه الظواهر المناخية ضمن تأثيرات التغير المناخي الحاصل في العالم، الذي يصيب لبنان على نحو كبير. اولى عوارضه ما نشهده حاليا من ظواهر متطرفة ومتعارضة، تأتي على شكل جفاف حاد، وسيول قوية. يقول الباحث في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت رولان رياشي، إن المتساقطات لهذا العام بلغت معدلها الاعتيادي، إلا أن ما تغيّر هو توزيعها، أي تساقط الأمطار على نحو غزير في فترات زمنية قصيرة، ما يكوّن السيول. في بداية التسعينات كان لدينا في لبنان 90 يوما ماطرا، اما السنة، فلدينا 65 يوما ماطراً.
يلفت فرج الله الى ان الحرارة الدنيا ارتفعت خلال المئة سنة الأخيرة 3 درجات مئوية في مدينة بيروت، وستشهد السنوات المقبلة انخفاضاً في المتساقطات. هذا الانخفاض في المتساقطات تتّبع معه الدولة، وفق كلام رياشي، سياسة السدود «وهو أمر خاطئ، إذ اننا مقبلون على سنوات جافة». يرى رياشي ان «ثروتنا تكمن في المياه الجوفية، إلا أنه لا رقابة للحفاظ على هذه المياه، والحد من الهدر. في لبنان 80 الف بئر خاصة، و650 بئرا عامة!».
نظراً لغياب الدولة عن اعتماد سياسات بيئية لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة، ينصح فرج الله باتباع اجراءات فردية، «على الناس ان يبدأوا بتغيير عاداتهم كأفراد عبر تخفيف استهلاك الطاقة باستعمال إضاءة خاصة للنوافير، التوجه نحو استيراد سيارات ذات مصروف طاقة قليل، تعزيز الطاقة الشمسية، على المزارعين زرع نباتات تحتاج الى مياه أقل وغيرها من الأمور التي يمكن إنجازها على نحو بسيط».

المخاطر المرتقبة

تعلم الدولة جيداً المخاطر التي تواجهها من جراء التغير المناخي، وقد رسم تقرير لبنان الوطني الثاني حول تغير المناخ (2011) سيناريوهات دقيقة لانعكاسات ارتفاع الحرارة درجة مئوية واحدة بحلول عام 2040 و3.5 درجات مئوية بحلول عام 2090 على مختلف القطاعات. إذ بحلول عام 2040 ستنخفض المتساقطات بنسبة 10 الى 20% لتصل الى 45% عام 2090. ستزداد الأيام الحارة في بيروت 50 يوماً إضافياً مع نهاية القرن، وستمتد فترات الجفاف لـ 9 أيام أكثر من المعدل في أرجاء البلاد. ارتفاع الحرارة سيؤدي الى رفع استهلاك الكهرباء بنسبة 1.8% عام 2040 و 5.8% عام 2090 من جراء ازدياد الطلب على التبريد. يشير التقرير الى ان المناطق الجافة مثل البقاع والهرمل والجنوب ستتأثر على نحو كبير، حيث سيقلّ إجمالي حجم الموارد المائية بنسبة 6 الى 8% عام 2040، و12 الى 16% مع ارتفاع الحرارة درجتين مئويتين. اما الغطاء الثلجي، فسيتراجع بنسبة 70% عام 2090، كما ستزداد السيول بنسبة 30% وتطول أيام الصيف الحارة شهرين اضافيين. لا يقتصر تأثير ارتفاع درجات الحرارة على الزراعة والمياه والكهرباء، بل يطاول أيضا الصحة العامة، إذ يتوقع التقرير ازدياد معدل الوفيات بنحو 2483 الى 5254 وفاة في السنة بين أعوام 2010 و2030. من المتوقع ان يصدر التقرير الثالث هذا العام، وستتّضح فيه اكثر السياسات التي يجب على الدولة اتباعها لمواجهة المخاطر المذكورة، علّها تتعامل بجدية مع هذه الأزمة، قبل ان تصبح النتائج كارثية، إذ لفت تقرير البنك الدولي الأخير تحت عنوان «اخفضوا الحرارة: مواجهة الواقع المناخي الجديد» ان بيروت والرياض ستسجلان أعلى مستوى زيادة في ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة.


* للاطلاع على تقرير البنك الدولي «اخفضوا الحرارة: مواجهة الواقع المناخي الجديد» أنقر هنا

* للاطلاع على تقرير لبنان الوطني الثاني حول تغير المناخ أنقر هنا