من الواضح أن هناك، في الخليج، من قرر أن اليمن يجب أن يُسام الخراب والحرب – فقد اعتلى الحكم فيه من لا يعجبهم. هكذا واكب الاعلام الخليجي وتوابعه الحدث، ليؤمّنوا جواً سياسياً يدعم نظرة «البلاط» ومخاوفه، بدءً بالصحافيين «الليبراليين» الذين يستفظعون أن اليمن ــــ الذي لم يشهد تبادلاً ديمقراطياً للسلطة على طول التاريخ المدوّن، وليس للدولة وجود في أكثر أرجائه ــــ قد شهد خرقاً للنظام الدستوري، وصولاً الى أولئك الذين يطالبون علناً بعقاب اليمن واليمنيين (كأن اليمن لهم وقد سُرق).
يقول كاتب في صحيفة سعودية إن «دول الخليج بحاجة الى انتصار في اليمن» ، فيما يدعو آخر الى التنسيق «بشكل مباشر» مع الانفصاليين في الجنوب، ويضيف ثالث لائحة اقتراحات لـ «مواجهة عبث الحوثيين»، تتراوح بين «تقسيم اليمن وتشطيره على أساس طائفي» و»تصعيد تنظيم القاعدة من عملياته العسكرية والتسرب الى داخل اقليمي الشمال». هذا حتى لا نذكر الدعوات العلنية لفرض العقوبات وطلب التدخّل العسكري الأجنبي، وهي خسيسة بقدر ما هي مجنونة؛ اذ انّها تنمّ عن رغبة عدوانية مكشوفة ضد الآخر، ولكنها تصدر عن من هو أجبن من أن يقود العدوان بنفسه، فيطلب من اميركا ومجلس الأمن خوض معاركه نيابة عنه.
هذا الخطاب يكشف في ثناياه معادلة واضحة في ذهن «الاخوة الأثرياء»، مفادها أن يمناً مدمراً تطحنه الحرب هو خيرٌ، في نظرهم، من يمنٍ يحكمه من لا يرضيهم. وهذا الاستسهال التاريخي في التعامل مع اليمن وشعبه كملكيّة، وكوقود لأحقاد آل سعود وأشباههم، هو السبب الأساسي في جعل أكثر اليمنيين ــــ من «أنصار الله» الى «القاعدة» ــــ يأخذون اتجاهاتٍ تقوم على معاداة السعودية ورجالها ونفوذها. بطبيعة الحال، فإن السردية السياسية التي يعرضها الاعلام المهيمن عن أحداث اليمن (احتلال ايراني، اجتياح «شيعي»، الخ) ما هي الا واقعٌ مواز اختلقه مثقفو البلاط وصدقوه، ويلتهون بتكراره والبناء عليه من دون أي درجة من النقدية؛ ولكن، نظراً الى التهديدات التي تُطلق، أليس من المنطقي أن يذهب الحوثيون صوب ايران، وحزب الله، وكل من قد يساعدهم، وهم محاطون بهؤلاء الأعداء الشرسين؟
الخليج لن يتدخل عسكرياً في اليمن، فالحوثيون هزموا «الجيش» السعودي حين كان نفوذهم يقتصر على صعدة الصغيرة (لا تزال مناطق حدودية واسعة على الجانب السعودي خالية من سكانها الى اليوم)، وهم لن يعيدوا الكرّة. والحوثيون، رغم رسائلهم التطمينية الى دول مجلس التعاون والتي تستغرب عدائيتهم السافرة، يعرفون ــــ من التجربة ــــ مع من يتعاملون، وقد قاموا بالفعل بنقل ألوية مدرعة الى الحدود الشمالية تحسباً. ولكن السؤال الذي يستحق أن يوجه الى عواصم الخليج هو: ان كان «الانقلاب» الحوثي يشرّع لهم، في منطقهم، أن يحكموا على بلدٍ كامل بالعقوبات والدمار والاجتياح، فما الذي يحقّ لنا أن نفعله نحن بهم؟