في اجتماعهما الاخير في عين التينة نهاية الاسبوع الفائت، تداول رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام الافكار التي حملها سلام لآلية جديدة مقترحة لادارة جلسات مجلس الوزراء، في ظل استمرار الشغور الرئاسي. في حصيلة هذا التشاور تفاهما على ضرورة العودة الى احكام المادة 65 عند التصويت على القرارات ومشاريع القوانين.
لم يُوح رئيس الحكومة بمشكلة بازاء اصرار الوزراء الـ24 على توقيع مراسيم القرارات تلك لاصدارها. الا انه اقترح ــــ تضامنا مع الشعور المسيحي بتعذر انتخاب رئيس ــــ التصويت على المواضيع الاساسية الواردة في المادة 65 بالثلثين +1.
من دون ان يتحمس لنصاب كهذا، رد بري بتحبيذه اعتماد الثلثين على نحو ما تتناوله المادة 65 ما دام الدستور نصّ عليه وألزمه. وأبلغ الى محاوره انه لن يعرقل هذا النصاب غير المسبوق عند التصويت به في مجلس الوزراء، وسيوعز الى وزيريه التحفظ عنه فقط من دون معارضته.
تفهّم وجهة نظر سلام، الا ان لا سابقة لهذا النصاب في دستور يتحدث عن انواع ثلاثة من النصاب القانوني في مجلسي النواب والوزراء: الاكثرية النسبية، الاكثرية المطلقة، الثلثان، ثلاثة ارباع مجلس النواب.
قالت وجهة نظر سلام ان لتصويت الثلثين +1 دلالة في حكومة ثلاث ثمانات، ويعني انه يجتذب ثلثيها ويخرق الثلث الثالث وإن بصوت واحد حتى، فلا يبقى اي مكوّن رئيسي من كتل الحكومة خارج التصويت، ما يوفر اوسع شبه اجماع ممكن على التصويت.
لم يمِل رئيس المجلس كثيرا الى رغبة رئيس الحكومة، مذ اليوم الاول لتوليها صلاحيات رئيس الجمهورية، في اعتماد التوافق على القرارات للحجة اياها، وكان توقع سلفاً ارتطام التوافق بتعطيل اعمال مجلس الوزراء.
بري تفهّم موقف سلام من الثلثين +1: تحفظ بلا اعتراض

لم يكن اجتماع الرئيسين سوى حلقة في سلسلة من المشاورات بدأت ولم تنته. كمنت المشكلة في دمج مادة التصويت في مجلس الوزراء بمادة التوقيع والاصدار اللاحقين عند انتقال مجلس الوزراء الى هيئة رئيس الجمهورية، وقد باتت صلاحياته في عهدته. بعدما سلّم الوزراء الـ24 بتوقيعهم جميعاً بلا استثناء المراسيم توطئة لاصدارها، ما دامت صلاحيات الرئيس انتقلت اليهم، وضعوا العصي في مرحلة مبكرة من الآلية تلك، وهي التمسك بالتوافق على القرارات ومشاريع القوانين. من دونه لا توقيع ولا اصدار. باتت المادة 65 تتنكب اكثر من قدرتها على الاحتمال بحصر التصويت بالتوافق فحسب، رغم تراجع سلام عنه. بات من غير المنتظر ايضا توقيع القرارات واصدارها بحسب المادة 56 ما لم تعبر هذه بسلام المادة 65. عندئذ هوى الجميع في المأزق تحت وطأة اجتهادات واجتهادات مقابلة، راح يتبادلها وزراء وسياسيو الافرقاء في معزل عن اي اختصاص او مسؤولية، بغية اكتساب موقف يعزز وجهة نظر هذا او ذاك، على ان يترك بصمة الفيتو بين يديه.
ثمة سابقة في هذا الموضوع وردت في قرار لمجلس شورى الدولة رقمه 74، صدر في 16 تشرين الثاني 1995 في مراجعة اللواء منير مرعي ضد الدولة اللبنانية (مجلس الوزراء ووزارة الدفاع)، وأعدت القرار هيئة ترأسها رئيس مجلس الشورى جوزف شاوول وضمت رؤساء الغرف عزت الايوبي واسكندر فياض ورشيد حطيط والمستشارين نجلا كنعان واندره صادر وسهيل بوجي.
تطعن المراجعة، المؤرخة 13 نيسان 1991، في قرار قائد الجيش العماد اميل لحود ابطال ترقية كان نالها مرعي من رتبة عميد الى رتبة لواء عام 1990 بقرار من حكومة الرئيس ميشال عون، بعد شغور رئاسة الجمهورية وانتقال صلاحيات الرئيس اليها. عُدّت القرارات الصادرة عن حكومة عون، مذ انتخب الرئيس رينه معوض رئيسا للجمهورية عام 1989، باطلة ولاغية. حينذاك اتخذ مجلس الشورى قرارا بالاجماع برد مراجعة مرعي لافتقار مرسوم ترقيته الصادر عن حكومة تولت صلاحيات رئيس الجمهورية الى قواعد دستورية جوهرية.
الا ان المهم في قرار مجلس الشورى اعتباره ان مرسوما يصدر عن حكومة تتولى وكالة «صلاحيات رئيس الجمهورية» (في الدستور السابق كانت العبارة «السلطة الاجرائية») يجب ان يقترن بتوقيع رئيس مجلس الوزراء عن مجلس الوزراء مجتمعا، الى توقيع الوزير المختص او الوزراء المختصين. تاليا لا موجب ـــ في قرار مجلس الشورى ـــ لتواقيع ما يتعدى هؤلاء بغية صدور مرسوم يتمتع بكيان دستوري لا تشوبه مخالفة. وكان المجلس وجد في مرسوم حكومة عون افتقاره الى قاعدة جوهرية هي توقيع الوزير المختص. حينذاك وقع عون المرسوم بصفته رئيساً لمجلس الوزراء، مع توقيع ثان له ان المرسوم صادر عن مجلس وزراء منوطة به صلاحيات رئيس الجمهورية. لكن من دون توقيعه بصفته وزيرا للدفاع، الوزير المختص، اضف عدم توقيع وزير مختص آخر هو وزير المال كون مرسوم الترقية يحمّل الخزينة اعباء مالية. ما افقده ركنا دستوريا تشترطه المادة 54.
الا ان ما تناول قرار مجلس الشورى تأكيده ان رئيس مجلس الوزراء بتوقيعه المألوف الاول بذيل عبارة «صدر عن رئيس الجمهورية» او «صدر عن مجلس الوزراء في الحالة الحاضرة» يكون قد عرّف عن توقيع رئيس الجمهورية، او عن صدور المرسوم عن مجلس الوزراء. اما توقيعه التالي بصفته وزيراً مختصاً، فبمقتضى ممارسته الصلاحية المنوطة به.
في حصيلة ما استخلصه مجلس الشورى عن مرسوم يصدر عن مجلس وزراء يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية، انه يكتفي بتوقيع رئيس مجلس الوزراء ووزير المال (عندما يقترن بأعباء تترتب على الخزينة) والوزير او الوزراء المختصين. الا انه لا يفتح الباب على توقيع كل وزراء الحكومة مراسيم الاصدار، على نحو ما حصل مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عامي 2007 و2008، ومع حكومة سلام الآن. الحري ان بين القضاة الذين وقّعوا قرار مجلس الشورى عام 1995 ــــ القاضي بوجي ــــ هو الامين العام لمجلس الوزراء اليوم، كما ابان حكومة السنيورة، وصاحب وحي توقيع الوزراء جميعا هناك وهنا كل مرسوم يصدر عن مجلس وزراء يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية.
كان ورد في قرار مجلس الشورى: «(...) وبما أن المراسيم التي تصدر عن مجلس الوزراء المنوطة به موقتا صلاحيات السلطة الاجرائية ــــ او صلاحيات رئيس الجمهورية ـــ يجب اذن ان تصدر بعد موافقة مجلس الوزراء، وان تحمل على الاقل اضافة الى توقيع رئيس مجلس الوزراء توقيع الوزير المختص او الوزراء المختصين، كما لو كان المرسوم صادراً عن رئيس الجمهورية، وذلك عملاً بصراحة احكام المادة 54 من الدستور وان عبارة «موافقة مجلس الوزراء» ـــ الموجودة في بند المرسوم 548 المتذرع به ـــ كأحد الاصول الجوهرية التي يفرضها الدستور لا تعفي مطلقاً من عدم تقيّد المرسوم بالاصول الجوهرية الاخرى التي يفرضها الدستور ايضا بالنسبة الى جميع مقررات رئيس الجمهورية، وبالاحرى المراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء المنوطة به ممارسة السلطة الاجرائية.
وبما ان توقيع رئيس مجلس الوزراء بالشكل الذي ورد فيه في المرسوم رقم 548 لا يغني عن توقيع الوزير المختص، لأن الدستور لا يولي رئيس الوزراء بهذه الصفة نطاقاً يتعلق بادارته كما نصت على ذلك في شأن الوزير المادة 64 من الدستور قبل التعديل ـ والمادة 66 فقرتها الثانية بعد التعديل الدستوري سنة 1990 ـــ ولا ينص الدستور على ان رئيس الوزراء يمكنه مباشرة ادارة الوزارات المختلفة الا إذا اوكل الى رئيس الوزراء ادارة وزارة ما.
وبما ان توقيع رئيس مجلس الوزراء بالشكل الذي ورد فيه لا يعتبر توقيعا للوزير المختص، بل مثابة توقيع مفروض في كل مرسوم، وهو مثابة تأكيد توقيع رئيس الجمهورية، وفي هذه الحالة، أنه صادر عن مجلس الوزراء (...)».