مرت ثلاثة أشهر على قرار وزير المال علي حسن خليل القاضي بوقف أعمال التحديد والتحرير الالزامي في بعض القرى والبلدات الجنوبية، التي رافقها الكثير من أخبار الاعتداءات «بالجملة» على الملكيات العامة والخاصة. أيام قليلة وينتهي مفعول القرار (المحددة مدته بثلاثة أشهر) لتعود المياه النتنة الى مجاريها وتُستأنف أعمال المسح، من دون أن يُعلن حتى الآن أي حكم قضائي ذي صلة. يقول أحد المساحين ان «العديد من الوثائق التي تدين بعض المساحين وتجار العقارات والمخاتير قد جرى سحبها وتغييرها بواسطة المكننة المتّبعة وبرامج الهندسة والاتوكاد».
يكشف أحد المتابعين لأعمال المسح العقاري انه في احدى بلدات النبطية، «جرى تغيير مساحة أرض مشاع مسحت رسمياً عام 1957 بمساحة 23000 متر مربع، لتصبح 1300 متر مربع، لمصلحة أحد المنتفعين الذي عمد الى بيع المساحة المسروقة، بعدما جرى تغيير خريطة المساحة على جهاز الكمبيوتر (...) وفي بلدة جباع اشترى أحد المنتفعين عقاراً تبلغ مساحته 600 متر مربع ملاصق لأرض مشاع لتصبح مساحة العقار أكثر من 7000 متر مربع، بعد اخفاء خريطة المشاع الأساسية (...) وفي احدى بلدات مرجعيون الممسوحة منذ عشرات السنين، جرى تغيير مساحات اراض مشاع وتبديل أماكنها، كأن يجري تغيير مكان ارض مشاع الى مكان آخر بمساحة مختلفة ويُمنح الرقم نفسه، وتغيير (المعطيات) على جهاز الكمبيوتر لتختفي كل وسائل الاثبات السابقة». ويشير المصدر الى «إعطاء الأراضي الممسوحة المتجاورة أرقاماً غير تسلسلية، وبتواريخ متباعدة، إضافة الى مسح الأراضي هذه في غياب المالكين والجيران؛ علماً أن دفتر الشروط ينص على ضرورة حضور المالكين والجيران وتوقيعهم المحاضر، ومن ثم الانتقال الى الأراضي المجاورة لمسحها، ومنحها أرقاماً تسلسلية». يورد المصدر مثالاً على ذلك أنه «في إحدى بلدات قضاء بنت جبيل، مُسح في شباط 2006 أحد العقارات الذي كان من المفترض أن يحمل الرقم 1، وأُعطي الرقم 2296، بينما مُسح العقار الذي حمل الرقم (التسلسلي) قبله عام 2008! وفي بلدة شقرا يجاور العقار الرقم 10 العقار الرقم 3700! وهذه النماذج كثيرة ومتكررة، فتبدو المخالفات أمراً واقعاً، ما يؤكد ضرورة اعادة المسح، ولا سيما بعد ثبوت اعتداءات كثيرة على الأراضي، ووجود مئات الاعتراضات على المحاضر، ما سيؤدي الى نزاعات قضائية تستغرق عشرات السنين لبتّها». ويشير المصدر نفسه إلى أن «العقارات التي تحمل الأرقام 64 و59 و57 في منطقة جرجوع العقارية جرى مسحها قبل عام 1975، وبسبب الاعتراضات (على المسح)، بقيت عالقة ولم تصدر الأحكام التي تنهي النزاعات المتعلقة بها حتى الآن».
تُعد المسوحات الاختيارية التي كانت قد جرت سابقاً «مقدسة بحدودها ومحيطها المحدد أيضاً، لكن ما حصل أن بعض هذه المسوحات جرى اخفاؤها، عوضاً عن تسليمها للمساح من قبل أمانة السجل العقاري عند البدء بأعمال المسح، لكونها من الوثائق المهمة في تحديد العقارات والمشاعات». ويوضح المصدر أن دفتر الشروط (لتلزيم أعمال المسح) ينص على ضرورة تحديد كل العلامات المحدِدة للأراضي الممسوحة، بما فيها الحوائط والأشجار وغيرها، وإن الشرط هذا لم يُراع أيضاً.
تقتضي المحاسبة، في المقام الأول، تطبيق مبدأ «من أين لك هذا» على موظفي الشؤون العقارية والمساحين والمخاتير، يقول المصدر، متحدثاً عن بيع عدد كبير من الأراضي «خلسة» لأصحاب رؤوس الأموال في مناطق بعيدة عن مناطق المسح العقاري، ومنها أراض تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الدولارات، وذلك عبر بعض التجار الذين ينسقون في الخفاء مع بعض المخاتير والمسّاحين.