وكأنه لا يزال في بعبدا، يواصل الرئيس السابق ميشال سليمان التنقل بين صالونات المنازل والمطارات وقاعات المؤتمرات ملهماً بمحاضراته الآلاف. بالأمس، اعتلى منبراً في الإمارات العربية المتحدة، آخذاً بألباب الحاضرين، وهو يحاضر عن جان جاك روسو وأرسطو وأفلاطون، ونظرياتهم حول وظيفة الحكومات «بإدارة حياة مواطنيها وتقديم الخدمات لهم وفضّ نزاعاتهم وحمايتهم من الأخطار الداخلية والخارجية»، واضعاً «عصارة» تجربته في تصرف الجماهير حول «الاتصال الناجح والمفيد بين الحكومة والشعب، عبر ممارسة عصرية تعتمد على اللامركزية والمشاركة والاتصال»، مردداً بالإنكليزية: Communication... ولكن من دون أن يعطي مثلاً واحداً، بأي لغة، عن تجاربه الناجحة، بعيداً من كثرة الأسفار والمؤتمرات وطباعة الكتيّبات. وحدّث الرئيس الحضور عن «إشراك المرأة إلى جانب الرجل في عملية الاتصال»، وعن «المشاركة في داخل الكيانات»، والتي «يجب أن تراعي كل مكوّنات الدولة، من دون النظر فقط إلى أحجامها العددية أو قدراتها الاقتصادية، بل أيضاً، وأولاً، قدراتها الحضارية والثقافية والإنسانية».
ودعا إلى «هدم الأبراج العاجية التي تحيط بالمسؤولين والابتعاد عن الغطرسة وإتاحة السبل لتعرف الجمهور إلى عادات وتقاليد القادة الذين يتولون شؤونه»... وهنا، أيضاً، لم تسعف الذاكرة الرئيس بذكر الأمثلة الخليجية الكثيرة عن إشراك المرأة ومراعاة كل مكوّنات الدولة وهدم الأبراج العاجية.
«عظة» سليمان هذه ألقيت خلال افتتاح المنتدى الدولي للاتصال الحكومي في إمارة الشارقة، وكان يفترض بها التطرق إلى التحديات التي تواجه التواصل بين الحكومات والجمهور في العالم العربي، بوصفه صاحب تجربة ناجحة جداً على هذا الصعيد. وكان رئيس مركز الشارقة الإعلامي الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي قد عبّر، في ظل الابتسامة المقيمة على وجه سليمان، عن فخره باستضافة الرئيس اللبناني السابق، نظراً إلى تجربته الغنية في «إدارة الأزمات» و»التواصل الحكومي» التي مرّ بها على مدى «عقود» من «العمل القيادي».
بعيداً عن المنتدى الذي لم يتسنَّ لسليمان متابعة كل حلقاته جراء محاصرة المغتربين اللبنانيين للفندق حيث ينزل، مطالبين برؤيته عن قرب للتعرف إلى «عاداته وتقاليده» والتقاط «سيلفي» معه، يسجل للرئيس السابق مواصلته عرضه المسرحي بثقة مفعمة بالنفس. فبعد قطع قوى كثيرة طريق التجديد، لم تعر باريس اهتماماً لمشاعره عبر تزكية انتخابه أميناً عاماً للمنظمة الفرنكفونية: الوزيران السابقان طارق متري والياس المر حصلا على جائزتي ترضية، فيما اقتصرت ترضيته على عدم ملاحقته بتهمة تزوير جوازات السفر. توقف الحجّ الشعبي إلى منزله في عمشيت، ولم يعد رجال الأعمال – خصوصاً الكسروانيين – يطيقون سماع اسمه، ولم يعر المنتفعون طوال عهده الرئاسي أي اهتمام لدعواته المتكررة إلى تشكيل حزب سياسي برئاسته، ولم ترتفع أعمدة مستشفاه الحكوميّ المنتظر ليسرح به نجله ويمرح، ولم يرسل له الرئيس سعد الحريري طائرته الخاصة لتقلّه إلى السعودية للتسليم على صور الملك الجديد ووليّ العهد ووليّ وليّ عهده. ترسل Mtv خبر ذهابه شخصياً إلى البيال، علّ الجمهور الحاضر يبتدع هتافاً خاصاً به مثل «أبو شربل ع الترويقة، أبو شربل كل دقيقة»، أو علّ الحريري يدعوه إلى المسرح لخلع قميصه، أو يبلّ ريقه بذكر «إعلان بعبدا» التاريخي.
كل ذلك لا يهمّ. يواصل الرئيس مسيرته «التاريخية». ينتقد، بعدما عُيّن في الدوحة رئيساً، انتخاب الرئيس من قبل السفراء بدلاً من النواب. يحجز لنفسه مقعداً في ندوة في نقابة المحامين، ولو إلى جانب أحد المرشحين المغمورين إلى الانتخابات النيابية. ويكرّر ما يقوله منذ أكثر من تسعة أشهر عن إطلاقه خلال شهر أو اثنين تياراً سياسياً وسطياً (يضمه والرئيس نجيب ميقاتي لمواجهة الأحلاف المحلية والاقليمية). يثابر الرئيس على تكرار محاولاته. لا ييأس ولا يُحبط، ولا يشتم المقربين والأبعدين على غرار ابنه شربل الذي سأل أخيراً على «فايسبوك»: من هو الأكذب، النائب سيمون أبي رميا أو رئيس أحد الاتحادات الرياضية أو وزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي الذي سمّاه والده وزيراً؟
شعار سليمان الحكيم: لا يأس مع الحياة.