القاهرة | إنّها الحرب. لذا، لا يجب أن يتحدث أحد عن حقوق الإنسان، أو عن الحق في المعرفة، أو سعي السلطة إلى تقييد حرية الرأي والتعبير. بعد أيام على نشر شريط ذبح 21 مصرياً في ليبيا، أصدر رئيس مجلس الوزراء المصري إبراهيم محلب قراراً يقضي بتشكيل لجنة برئاسة وزير العدل وعضوية ممثلين عن وزارات الدفاع، والإنتاج الحربي، والداخلية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والخارجية والمخابرات العامة.
وستتولى اللجنة دراسة إدخال تعديلات تشريعية على القوانين المتعلقة بالأمن القومي على نحو يمنح المحاكم صلاحية البت في إزالة ما يبث على الإنترنت في مصر و«ذي علاقة بالإرهاب».
القرار لم يأخذ قدره من الاهتمام، إما بسبب أحداث الذبح التي كانت على رأس اهتمامات الفضائيات في تلك الفترة، أو بسبب عدم رغبة الإعلام في مناقشة الموضوع لأنّه يفتح الباب أمام أسئلة كثيرة لن تجد السلطة إجابات عليها، ويتعلق جلّها بتعريف واضح لكلمة الإرهاب ومعنى الأمن القومي، والمواد التي تمثل خطراً عليه.

بعد يومين على صدور القرار، أعلن وزير العدل المصري المستشار محفوظ صابر في بيان أنّ التعديلات لن تمس حرية الرأي والتعبير، لكنها ستأخذ اعتبارات الأمن القومي وما يمس أمن البلاد داخلياً وخارجياً. وشدد على أن اللجنة ستعقد اجتماعها الأول الأسبوع المقبل، وسيتم إخطار الجهات المشاركة فيها لإرسال ممثلين لهم لحضور الاجتماع. وتتسارع أحداث هذه القضية بعيداً عن متابعة الإعلام لها. وهذه ليست المحاولة الأولى من الدولة للسعي إلى السيطرة على ما ينشر على الانترنت. في عام 2008، أصدرت محكمة القضاء الإداري ــ إحدى المحاكم التي تفصل في القرارات الإدارية للحكومة ــ حكماً قضى برفض إغلاق 51 موقعاً كانت عبارة عن "مدونات" تغضب النظام وقتها. المطالبون بإغلاق المدوّنات اعتبروها "ارهابية وتسيء لسمعة مصر". وللمصادفة أنّها الحجة نفسها التي تسوقها الحكومة الحالية لفرض الرقابة على ما ينشر على الشبكة الدولية.
غير أنّ هذا الحكم لم يمنع إصدار المحكمة نفسها قراراً عام 2009 يلزم وزارة الاتصالات بحجب المواقع الإباحية عن شبكة الإنترنت في مصر. وأصدرت المحكمة قراراً مشابهاً عام 2012 «حفاظاً على التقاليد والآداب والأخلاق العامة، وعدم انتشار الرذيلة في المجتمع، وعدم تعرضه للاختراق من أي جهات أخرى، وحفاظًا على الأسرة المصرية». إلا أنه في عام 2013، قضت محكمة القضاء الإداري، بعدم قبول دعوى تطالب بغلق وحجب المواقع الإباحية على الانترنت، مؤكدة أنها رفضت النظر في الدعوى لخطأ شكلي. وها هي الحكومة تعاود السعي نحو السيطرة على ما ينشر على الإنترنت، فهي لا تمل ولا تيأس من ذلك، رغم صعوبة ذلك فنياً وارتفاع كلفته مالياً.