لا شك أنّ نهار الاثنين الماضي كان حافلاً ومنهكاً للكاتب والمخرج شربل خليل من استجوابه في قصر العدل وتركه بسند إقامة وتحويل ملفه الى النيابة العامة التمييزية في جبل لبنان. وسط هذه المعمعة القضائية والحضور الهزيل المتضامن مع خليل أمام قصر العدل، كان الإعلام اللبناني على موعد مع استحقاق جديد قديم: وجهه البارز الناقد الساخر، بينما خلفيته بل سكّته الأساسية قضية الحريات الإعلامية وحرية التعبير والرأي في بلد تكفل فيه هذه الحقوق أقله.
وحدها «المؤسسة اللبنانية للإرسال» خرقت أمس، الملفات السياسية في مقدمة نشرة أخبارها، وأوردت أسطراً عن قضية خليل «القضائية الإعلامية» والتضامن معه. وفي المساء وقفتان مع القضية مع برنامجي «للنشر» على «الجديد» و«حكي جالس» على lbci.
قضية خليل التي تتداخل فيها السياسة مع مسألة استغلال الدين ومحاولة تطويع الأخير قضائياً لم تحضر في البرنامجين بصورة تفضي الى فتح النقاش أمام العموم وأصحاب العلاقة بغية الإضاءة بشكل أساسي على مساحة النقد الساخر السياسي وأهدافه. هكذا، ضيّعت البوصلة لأكثر من مرة واتجاه. معدّ ومقدم «حكي جالس» جو معلوف خرج كلياً عن الموضوع الأساس وراح يتلطى خلف شعارات وأحكام تسهم في تأجيج المشكلة ونقل الكلام الشعبوي بدل تفكيكه وإعادة تصويبه. سلسلة أسئلة يمكن الاستشهاد بها توجه فيها معلوف الى خليل، مستهلاً الفقرة بسؤال: «ألا تعتبر أن ما نشرته يتعدى حرية الرأي؟». ثم انطلق من سؤال يتسم بالخطورة والتعميم عندما قال «صورتك حمراء عند المسلمين؟»، في إشارة الى الاسكتشات السابقة التي ينشرها المخرج الساخر. وفي إطار آخر، سأل: «لماذا تصرّ على استفزاز شرائح لبنانية معنية»؟ وإذا سلّمنا جدلاً بأن معلوف يلعب دور «محامي الشيطان» والرأي الآخر، فمحتوى ما قاله يتعدى هذه الحدود الى تمييع واضح للقضية ووضعها في مكان آخر يسيء إليها أكثر مما يخدمها. ضمن أحد السجالات، يصرّ الإعلامي اللبناني على اعتبار أن إعادة النشر هو تبنٍّ واضح للمحتوى المنشور (المسيء الى الإسلام). ورغم نفي خليل لهذا الأمر، إلا أن معلوف حسم المسألة وحتى اختصر القضية المطروحة عندما أورد: «لازم النقاش يكون على الصورة وإعادة نشرها القصة، مش قصة شربل خليل»! إذاً القضية باختصار هي قضية صورة وإعادة نشرها وليس استدعاء ناقد يسخر من هذه المنشورات لخلق مزيد من الوعي في محاربة التنظيم الإرهابي. لعل سوء الأداء الذي أظهره معلوف في هذه الفقرة تجلى في ختامها عندما نظر الى الكاميرا وأدى دور الواعظ الذي يحبه، وانتقد الآراء التي هاجمت خليل ودعا الى محاسبة نواب وسياسيين ينطقون باسم «داعش». لكن هنا كمن الخطأ الأكبر بعدم تحويل هذه الآراء والأحكام والمواعظ الى أسئلة وإشكاليات تخدم قضية خليل ولا تميّعها.
في حلقة «للنشر» أيضاً، حضر صاحب «بس مات وطن» أمس عبر الاتصال الهاتفي ولم يكن وحده، بل شارك في هذه الفقرة شيخان؛ أحدهما عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الشيخ محمد أنيس الأروادي والثاني إمام مسجد «القدس» الشيخ ماهر حمود. ورغم أسئلة الإعلامية ريما كركي التي صب بعضها في غير مكان كالسؤال عن حذف البوست الخاص بـ«جهاد النكاح» وما إذا كانت هذه الخطوة اعتذاراً منه على ذلك، كان السؤال الحاسم وربما الأساسي موجهاً الى الشيخ الأروادي الممثل لـ«دار الفتوى» عندما توجهت بالسؤال له: «من يحمي النقّاد من رجال الدين؟». طبعاً السؤال في محله ويعطي دفعاً قوياً للانطلاقة بهذه الفقرة. إلا أن الشيخ تهرّب من الإجابة كما فعل مع سؤال آخر كانت إجابته قد حسمت النقاش ورسمت الخيط الرفيع بين النقد السياسي والإساءة الى الدين الإسلامي عندما قالت له: «هل الدواعش مسلمون؟». طبعاً خلط الشيخ هنا بين السياسة والدين وأخرج خليل من معادلته الخاصة التي تختصر بالآتي: «الصراع في المنطقة ديني فكري ولا يحق لأحد بالتدخل».
لعلّ المساحة البيضاء والصوت المتزن تجليا في مداخلة الشيخ حمود المتابع لأعمال خليل الساخرة التي أثنى عليها وطلب عدم محاسبة الأخير في حال أخطأ، بينما قام في المقابل بإنجاز عمل يصوّر همجية «داعش» وإساءته للإسلام.