صعوبات جمّة تواجهها صناعة المفروشات التي تعتبر من الصناعات التقليدية في سوريا، جرّاء الحرب المستمرة. وإن كانت الصعوبات التي واجهتها سابقاً، في مرحلة ازدهار العلاقات التركيّة السورية، وانفتاح السوق السوريّة على الصناعات التركيّة، لا تزال في الذاكرة، إلّا أنّ تلك الصعوبات تبدو قليلة الشأن أمام ما أصاب هذه الصناعة اليوم بسبب الحرب، حيث غدت المفروشات في ظلّ الأوضاع الراهنة، والضغوط الاقتصادية المتفاقمة على المواطن، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، ضرباً من الرفاهية يمكن الاستغناء عنه.
بانتظار زبائن لا يرزحون تحت وطأة الديون والصعوبات الاقتصادية، يجلس سعيد عند باب معرضه، ويقول: «تحوّلت المفروشات اليوم إلى كماليات بسبب الحرب، كثيرون باتوا يفضلون استخدام الإسفنج لفرش غرف نومهم وجلوسهم، وذلك بديلاً من الخشب وتكاليفه الباهظة، وخاصة أنّ الإسفنج متوافر نتيجة توزيعه من قبل المنظمات الإنسانية، كمساعدات للنازحين، وبيعه من قبل بعض المستفيدين»، ويتابع شرحه: «الكثير من أبناء الطبقة الوسطى، التي انحسرت أخيراً، يلجأون إلى (المدّة العربيّة) بحجة أنها أكثر راحة، في وقت استغنت فيه نساء كثيرات عن الأناقة المنزلية، توفيراً للاحتياجات اليوميّة».
بالإضافة إلى الأسعار التي تضاعفت مرّات عدة خلال سنوات الحرب، وفقدان البضاعة المحليّة من الأسواق، فإنّ مناطق كانت تحتوي على ورش صناعة المفروشات امتدّت الحرب إليها، وأوقفتها عن العمل، وهو ما يشرحه سامي، الحرفي الحلبي النازح إلى اللاذقية، حين يقول: «كنا نعتمد على تصنيع بضاعتنا بأنفسنا.

المفروشات التركيّة لا تزال تتدفق على السوق السوريّة
أما اليوم فالكثير من المواد التي نحتاجها في التصنيع غير متوافرة، وإن توافرت، فهي غالية الثمن»، مضيفاً إلى ذلك مشكلة أكبر، تتجلّى في نقص اليد العاملة جرّاء الحرب التي قتلت الكثيرين، وهجّرت آخرين.
وفي معرض استذكاره لمرحلة ازدهار العلاقات التركية السورية يشرح هيثم، تاجر من الساحل السوري، أنّ تلك المرحلة تركت آثارها السلبيّة على الصناعيين المحليين، حيث اضطرت الكثير من ورش التصنيع للإقفال، تحت وطأة منافسة البضائع التركية، وهاجر أصحابها إلى دول الجوار، ورغم ذلك فقد استمرّت الصناعة في الكثير من المناطق، تنافس بجودتها وأسعارها البضائع التركية، وكانت داريا (ريف دمشق الغربي) على سبيل المثال، إضافة إلى العديد من المناطق في حمص وحلب، تحتضن الكثير من هذه الورش «ولكن للأسف فمعظم هذه المناطق اليوم تعتبر مناطق اشتباكات ساخنة، ما أدّى إلى إغلاق المصانع فيها، وتعرضها للنهب والسرقة، حالها حال الكثير من المصانع والمنشآت في سوريا». ويشير هيثم إلى أنّ المفروشات التركيّة لا تزال تتدفق على السوق السوريّة، رغم القطيعة السياسيّة الحاليّة، ورغم اشتراك الدولة الجارة في تمويل وتسليح المقاتلين السوريين والأجانب في مواجهة الجيش السوري. وعند سؤاله عن سرّ ذلك يجيب: «في هذه البلاد يمكن أن يحصل أي شيء. فقط ادفعي المعلوم، وسيمكنك أن تحققي المستحيلات». ويدعو بعد ذلك، غاضباً، إلى ضرورة القيام بحملة لمقاطعة البضائع التركية، وهي خطوة «لم تخطر على بال المسؤولين»، رغم محاولات فردية من قبل بعض المواطنين لتغذيتها في الشارع السوري.
مقابل ذلك فإن النجارين السوريين، في المناطق الآمنة، يستفيدون من حال الخمول التي أصابت أسواق المفروشات، إذ يؤكّد زاهر، نجار من اللاذقية، أنّ عمله قد تحسّن خلال الحرب، بسبب عدم ثقة المواطنين بالبضائع التجارية الموجودة في الأسواق، وعلى الرغم من أنّ الأسعار تضاعفت كثيراً إلّا أنّه يعمل على عدّة ورش في آن واحد، مؤكداً أنّ «البلد فيها مصاري، وفيها ناس عم تدفع، يوجد فقراء كثر، ولكن بالمقابل هناك الكثيرين ممّن أثروا جرّاء الأزمة، عم يدفعوا ليجهزوا بيوتهم وقصورهم، ونحنا عم نشتغل»، ويضيف ساخراً: «بالعادة بزيد تسعيرة شغلي للي بعرفهم حرامية». وعن صعوبة تأمين مواد صناعة الخشب ومتطلباتها، يقول ساخراً أيضاً: «الله يخليلنا التعفيش. كتير اكسسوارات ما عادت متوفرة، صرنا منروح منجيبها من سوق الحرامية».