عبّر العماد ميشال عون عن إعجابه الشديد حين وصف ملحم رياشي الحوار بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بـ«كافيار البيلوغا». والأخير من أجود أنواع الكافيار ومهدد بالانقراض، لذلك نادراً ما يُستخرج. أراد، من صارت صفة «موفد القوات اللبنانية الى الرابية « تلازم اسمه، القول للجنرال إن السمك النادر يُنتج بيضاً غالياً بكميات قليلة، في حين تعطي الدجاجة يومياً بيضاً رخيصاً نسبياً، ولذلك من الطبيعي أن يكون سير جلسات «حوار البيلوغا» بين الطرفين بطيئاً ونتائجها قليلة. يهوى ابن الخنشارة (قضاء المتن) الأمثال واللعب على الكلام، حتى بات عون يناديه بـ»اسكندر رياشي»، أحد الصحافيين القدامى «التائهين»، كما يصفه ملحم.
في حين يطلق عليه زميله في الحوار، النائب ابراهيم كنعان، «الغجري»، الصفة الأحبّ الى قلبه. هكذا فتح رياشي أبواب الرابية وبات من ضيوفها الدائمين، وهو ما لا يُمانعه الدكتور سمير جعجع، طالما أن «الجنرال عم بشيل عني شقلة»، كما أجاب عن سؤال الوزير السابق زياد بارود «كيف رضاك على الـ camarade ملحم؟».
علامات استفهام كثيرة طرحت حين أوكل جعجع الى رياشي، المستشار السابق للوزير الياس المر، مسؤولية جهاز التواصل والإعلام في القوات اللبنانية عام 2012. شكّك هؤلاء في خلفيته القواتية، فبقي خارج الدائرة الزيتية الضيقة، مفضلاً العمل في الظل، قبل أن يأخذ المبادرة بالعمل على جسر هوّة عمرها ثلاثون عاماً بين الخصمين اللدودين. اغتاظ قواتيون ممن اعتادوا العمل على خط الرجلين، فيما اختار هو «الصديق» كنعان شريكاً له لأسباب عدة؛ أهمها «الخلفية السياسية المشتركة».
كان الهدف من انتقاله الى جهاز التواصل «محدداً بممارسة أدوار إعلامية معينة تختص في الغالب بشق التواصل، بدليل أن لا تغييرات جذرية حدثت في وسائل الإعلام القواتية»، كما يقول أحد الإعلاميين المقربين منه. وهو حتى، أشهر قليلة مضت، «لم يكن عضواً في دائرة القرار الضيقة داخل القوات». شخصيته لا تخلو من تفاصيل متناقضة: متعلق بلبنان عاصي الرحباني وفيروز ومتأثر، في الوقت نفسه، بزياد الرحباني فيحاول تقليده في كتاباته وفي طريقة تعبيره. يفخر بـ»ثوريته» في حين أنه عمل أغلب فترات حياته مع السياسيين التقليديين. ابن منطقة جذورها قومية ـــ كتائبية، لكنه لجأ الى كنف النائب الراحل ألبير مخيبر «الذي كان يُعتبر رمزاً مقاوماً ضد الاحتلال السوري»، قبل أن يُصبح من صانعي القرار في «عمارة» آل المر، ومن ثم مسؤولاً في معراب. يقدّر فكر مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعادة و»جرأته حتى الشهادة»، ويشبهها بـ«جرأة جعجع في تسليم نفسه الى القضاء». لا يحب «وعظ جبران خليل جبران»، لكنه يعشق قصة «خليل الكافر» في كتاب «الأرواح المتمردة» الذي يعتبره أفضل من كتاب «النبي». لا تُعجبه لغة ميخائيل نعيمة، إلا أنه يهوى كتاب مرداد. لم يستطع التفلت من قيود طائفته فحاول إسقاطها على ما يحب، لذا يعتبر كارل ماركس «مسيحياً أكثر من كثيرين». علاقاته السياسية متنوعة «وأسعى للحفاظ عليها لأنني أؤمن بحق الاختلاف إيماني بالإنسان».
يهمل رياشي شكله. شعره الذي تساقط الجزء الأكبر منه في الأغلب غير مصفف. يرتدي قمصاناً بياقات رفيعة وينتعل الأحذية العالية المخصصة لركوب الخيل. تتذكره ستيفاني، إحدى تلميذاته، يضع نظارات شمسية رفيعة ويمشي من دون أن يحرك جسده، «كنا نشعر وكأن أدولف هتلر تقمص فيه». في الجامعة، تولى تدريس مادتَي وكالات الأنباء واستراتيجيات التواصل الدعائية، ولم يكن يخفي تأثره بالدعاية النازية «محور نقاشنا الدائم كان (وزير الدعاية السياسية في عهد هتلر) جوزف غوبلز»، إضافة الى تركيزه على متلازمة ستوكهولم ونظرية بافلوف. استفاد من عمله في إذاعة لبنان الحر وتلفزيون الـ anb لمساعدة الطلاب على الخضوع لدورات تدريبية. العشوائية التي تطغى على حياته انتقلت معه الى عمله التلفزيوني، فعلى مدى خمس سنوات كان يُحضر لحلقات برنامجه السياسي قبل دقائق قليلة من بثها على الهواء.
أرشد رياشي الى أصول الإعلام الجماهيري أحد الكهنة المتخصصين بإنجيل بولس ويوحنا، فأصبح بولس الرسول قدوته وموضوع بحثه في دراساته العليا. مثاله «في الصلابة» شقيقه عبد الله، مسؤول القوات في الخنشارة. أما من ساهم في بلورة نظرته الخاصة في الحياة فهو ابن خالته وليد المنير «صديق العمر الذي استشهد في حرب الجبل عام 1984». أبوه الروحي مخيبر، «الحكيم الختيار» كما كان يناديه. من الأمور التي يفخر بها رياشي أنه خاض معركة «طبيب الفقراء» النيابية عام 2000، ولازمه في المستشفى آخر أيام حياته، رغم أنه كان حينها قد تخلى عنه منتقلا الى جبهة خصومه التقليديين: آل المر. يرفض رياشي، كما يُنقل عنه، الاتهام بأنه نقل البارودة من كتف الى أخرى حين أتاه المر بعرض أفضل: «لا أتخلى عن اقتناعاتي أينما كنت. لهذا لم أقبل أن أكون مستشاراً سياسياً للمر، مكتفياً بصفة مستشار الشؤون الدعائية والتوجيه في الداخلية». مكتبه في الوزارة كان يوصف بـ«مكتب المعارضة، لكثرة ما كان يتردد إليه معارضون» للوجود السوري. يكره أعمال الأمن والاستخبارات، ويحتقر «الثرثارين الذين يرفعون التقارير لأسيادهم». عندما وقع الخلاف بينه وبين المر، «رجع رياشي الى عشّو (القوات)»، كما قال زياد الرحباني.
مهمة رياشي في القوات هي التواصل والإعلام، إلا أنه غير متعاون مع الصحافيين. يُسهب في الكلام ويقدم الكثير من المعلومات عن كل المواضيع إلا ما يخص القوات. جوابه الدائم: «لا أعلم. اسألوا أنطوانيت (جعجع) أو (الأمين العام للقوات) فادي سعد». الحوار هو المهمة الجدية الأولى له في القوات. يتشارك مع كنعان «الخلفية المخيبرية»، ومع عون «الإيمان بالمسيحية المشرقية».
قد لا ينجح رياشي في الوصول بمهمته الى نهاياتها المرجوّة، ولكن يسجّل له أنه حاول استخراج «كافيار بيلوغا» من بحر جفّت مياهه منذ زمن!