لم تتوقف الاشتباكات يومياً، منذ هجوم المسلحين الارهابيين قبل نحو شهرين على «تلة الحمرا» في جرود رأس بعلبك وسيطرتهم عليها لبضع ساعات، قبل أن تحسم وحدات الجيش المعركة وتستعيد السيطرة على التلة الاستراتيجية. منذ ذاك، وضع الجيش «خريطة طريق» لمواجهة عمليات التسلل والتهديدات المتواصلة من المسلحين بمهاجمة قرى بقاعية. ومنذ حوالى أقل من شهر، لا توفّر وحدات الهندسة في الجيش وقتاً لشق واستحداث طرق جديدة في هذه الجرود، باتجاه جرود الفاكهة وصولاً إلى نقاط الجيش في جرود عرسال، في محاولة لإقامة ما يشبه «الاتصال الجغرافي» والربط بين النقاط العسكرية المتقدمة في التلال.
وقد اعتمدت «التحايل» على عدد من العوائق الجغرافية والطبيعية التي تعيق مراقبة النقاط العسكرية من الجهة الشرقية في جرود رأس بعلبك، وتسمح للمسلحين بالإفادة منها، والتسلل عبرها والانطلاق في أعمال هجومية باتجاه نقاطه.
وبحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار»، فإن الجيش سيطر على تلال أم خالد وصدر جرش وحرف جرش (شرق وشمال ــ شرق تلة الحمرا) وهي عبارة عن تلال «استراتيجية» في جرود رأس بعلبك، أكثر ارتفاعاً من تلة الحمرا (النقطة العسكرية الأخيرة المتقدمة للجيش في جرود رأس بعلبك)، يستعملها المسلحون للتسلل والتواري في تلالها والسهول والوديان في ما بينها.
وتشير المعلومات الأمنية إلى أنه بعد الانتهاء من استحداث الطريق الذي يربط نقاط الجيش بدءاً من جرود رأس بعلبك حتى نقطة المصيدة في جرود عرسال، مروراً بجرود الفاكهة، كان لا بد من «عملية عسكرية سريعة ومباغتة» للسيطرة والاستيلاء على هذه التلال المتقدمة، و»لإبعاد المسلحين عن تلة الحمرا المتقدمة وتذليل مخاطر أي عمليات تسلل جديدة». وبالفعل هذا ما حصل فجر أمس، عندما مهّد الجيش لعمليته العسكرية «المقررة والمخطط لها» بقصف مدفعي ليل الأربعاء ــ الخميس لأماكن تجمعات المسلحين في جرود السلسلة الشرقية، قبل أن تنطلق وحدات وأفواج من الجيش عند الرابعة فجراً في عملية سريعة للسيطرة على التلال الثلاث، بمساندة المروحيات ومرابض المدفعية الموجودة في قرى البقاع الشمالي، وقد تمكن سريعاً من السيطرة عليها جميعاً، وتحقيق النتائج المرجوة من العملية العسكرية». وفي وقت استمرت فيه وحدات الجيش ومرابض المدفعية في استهداف المسلحين، سارعت فرق الهندسة في الجيش إلى تحصين التلال، وتعزيزها بوحدات عسكرية أخرى، في خطوة «لمنع أي هجوم قد ينفّذه المسلحون لاستعادة تلك النقاط الاستراتيجية»، بحسب مصادر أمنية.
العملية العسكرية انتهت قرابة الثامنة صباحاً، وأدت إلى إصابة ضابط وثلاثة عسكريين بجروح تراوحت بين الخطرة والمتوسطة، بعدما استهدف المسلحون آليتهم بصاروخ موجّه، وقد نقلوا بمروحية إلى مستشفيي الهرمل الحكومي ودار الأمل الجامعي في دورس.
الجيش يستحدث
طرقاً جديدة لإقامة «اتصال جغرافي» بين نقاطه المتقدمة



من جهة أخرى، عثر الجيش أثناء تمشيط التلال والأودية المحيطة بها، على جثث لقتلى المسلحين وأسلحة وذخائر وأعتدة عسكرية، فيما انكفأ المسلحون في اتجاه منطقة خرخونة (جنوب ـ شرق جرود الفاكهة) وجرود عرسال والسلسلة الشرقية، حيث دارت اشتباكات بينهم وبين الجيش.
وواصل المسلحون استهداف نقاط الجيش بالقصف والقنص، فسقطت قذيفة بالقرب من أحد المراكز العسكرية في وادي حميد داخل منشرة للأخشاب. وبقيت أصداء دوي مدفعية الجيش تسمع في قرى البقاع الشمالي حتى ساعات المساء الأولى، وتركّزت على محلة وادي حميد ومدينة الملاهي ووادي العجرم في عرسال، في حين قصفت الطائرات تجمعاً للمسلحين قرب معبر مرطبية في جرود السلسلة الشرقية.
وفي السياق نفسه، كشفت مصادر مطلعة أن سيطرة الجيش على تلة أم خالد وصدر وحرف جرش، يسمح لوحدات الجيش «بالسيطرة بالنار» على مساحات شاسعة من الأراضي المنبسطة والتلال الصغيرة التي باتت مكشوفة شرقاً حتى جرود حليمة قارة عند الحدود اللبنانية ـ السورية، مع إطلالة على وادي حوّرتا في جرود رأس بعلبك، والذي كان يعتمده المسلحون في غالبية عمليات تسللهم الأخيرة، إضافة إلى سيطرة بعيدة بالنار على منطقة «سرج الدبس» و»شيح» (شرق بلدة الفاكهة) و»صفا الأقرع «وصولاً حتى «شبيب» وخربة داود وضهر الجبل العالي في جرود عرسال. أما من الجهة الشمالية، فثمة معابر كان يلجأ إليها المسلحون في عمليات تسللهم إلى نقاط الجيش، أصبحت مكشوفة، وهي وادي رافق الذي يفصل بين جرود رأس بعلبك وجرود القاع، ووادي بعيون في جرود القاع.
مصادر عسكرية قالت إن الوضع «دقيق للغاية»، وإن العملية لم تنته بعد، خصوصاً أن المسلحين «تعرّضوا لضربة قاسية وتكبّدوا خسائر كبيرة، سواء بشرية أو في العتاد والآليات». وإزاء ذلك استقدم الجيش تعزيزات عسكرية إلى نقاطه المتقدمة في رأس بعلبك.