لولا قليل من آلام الظهر، في الثامنة والثمانين، يظل الوزير السابق ميشال إده مستعداً لكل خيار ومهمة واستحقاق. اصغر سناً من صديقيه الوزير السابق فؤاد بطرس في الثامنة والتسعين، والبطريرك مارنصرالله بطرس صفير في الخامسة والتسعين. كثير الثقة بالحياة ما دام يشعر بدوام الصحة وصفاء الذهن والتفكير والقراءة والانكباب باستمرار على درس الصهيونية.
مكبّ على وضع بحث عن حال اسرائيل اليوم: «ليست اقل انهيارا من العرب وانظمتهم. كل المنطقة تتفكك، واسرائيل تعيش مآزق موجعة لها تضعها في الاضطراب، إلا لبنان الاحسن حالاً من كل هذا الجوار ما دام يُنعت بالموارنة، وإن كانوا الآن بلا رئيس للجمهورية. سيُنتخب، وسيكون مارونياً حتماً، وستعيش طويلاً الامة المارونية».
لا يتفرّج الرجل على ما يجري امامه فحسب، بل له موقف منه. يدق على الخشب لنفسه: لا يدخن ولا يشرب الكحول والقهوة. يُكثر من المياه والعصير والحليب والزبدة والشوكولا حتى الافراط. وصفة الشباب الدائم في رأيه: «معدل الاعمار تغير كثيرا عما كان قبل عقود. صار في في الامكان الوصول الى المئة». وقد لا تكون المئة كافية.
ماذا يقول إده عن ازمة آلية عمل مجلس الوزراء؟: «من الضروري الابقاء على الآلية الحالية في جلسات مجلس الوزراء، لأن اي محاولة لتسهيل عمل المجلس ستؤدي الى تعقيده اكثر من ذي قبل. ما يهمنا في نهاية المطاف انتخاب رئيس للجمهورية.
من الضروري تمسك
الموارنة بالآلية الحالية
لمجلس الوزراء والا فلن
ينتخب رئيس ابداً
نحن في بلد لا مثيل له، بل اكاد اقول انه بلد غريب في كل اطواره. لا وجود للقطاع العام فيه، بل نعيش من دونه. اي بلد في العالم يسعه الاستمرار بلا موازنة طوال 11 عاما. لا رئيس للجمهورية منذ اكثر من تسعة اشهر، لا مجلس نيابياً يجتمع، لا حكومة تجتمع الا برضى 24 وزيراً، ولا تستطيع اتخاذ اي قرار الا كذلك. اي تقريبا لا حكومة. مع ذلك نجد البلد ماشياً لان ما يسيّره ليس الدولة بل القطاع الخاص. اعتقد اننا لسنا في حاجة الى قطاع عام. تبين لنا ان لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي يستمر في ظل قطاع عام معطل. كأنه غير موجود».
يقول: «من غير المجدي الحديث عن تعديل الآلية الحالية لعمل مجلس الوزراء. لندع ما هو قائم يستمر. بالتأكيد لا يريد الموارنة تغيير الآلية التي تشترط التوافق في كل امر. تغييرها يعني تسهيل استمرار عمل الدولة بلا رئيس للجمهورية، ومن ثم استمرار الفراغ وصرف النظر عن الاستحقاق. وهذا ما يقتضي ان لا يحصل ابدا. على اي حال، الاستحقاق معلّق على امر واقع واحد: إما ميشال عون رئيساً او لا احد. لا خيار سوى ذلك او نبقى ربما سنتين او ثلاث سنوات بلا رئيس. لميشال عون وضع استثنائي. لا يزال وحده الماروني الاقوى. لا اراه ابدا عقبة في طريق الاستحقاق، وهو يخوض آخر معاركه فيه، ومن حقه ان يفعل. اما اذا كان المطلوب لا احد، فالبلد كما قلت يدير نفسه بنفسه».
هل يدعم آلية تلزم التوافق في كل ما يرتبط بعمل مجلس الوزراء كوضع جدول الاعمال واتخاذ القرارات وتوقيع المراسيم؟
يجيب: «طبعا في الحال الاستئنائية، لأن لا حال مشابهة في أي دستور آخر في العالم يلحظ عدم انتخاب رئيس الدولة، فكيف مع غياب مجلس النواب والحكومة.
حزب الله لبناني وهو
ممثل الشيعة. لا هو ايراني
ولا سوى ذلك وليس في الامكان اهماله
من الضروري ان يتمسّك الموارنة بالآلية الحالية وان عارضها افرقاء آخرون. ما يجري اليوم يثبت خطأ اعتقاد كثيرين. هذا الفراغ العام يُظهر الى اي مدى وجود رئيس للجمهورية اساسي في النظام والدولة. عندما غاب اختلّ عمل المؤسسات الدستورية كلها، رغم ما يقال عن تقليص صلاحيات الرئيس والمناداة بتعزيزها. طبعاً في مرحلة ما قبل اتفاق الطائف كانت لديه صلاحيات اكبر مما يقتضي، ولم يكن يمارسها بسبب طبيعة التوازنات الداخلية التي كانت تحمله على التسليم بأعراف تتخطى صلاحياته واحيانا تعطلها. لكن الصلاحيات تلك كانت اكبر من ان تحتملها المعادلة الداخلية. مع ذلك لم تكن مقبولة لأنها جعلت من رئيس الجمهورية ديكتاتوراً. مع ان عدداً مهماً من الصلاحيات انتزع منه بحجة التوازن مع السلطات الاخرى، الا ان رئيس الجمهورية يظل اساس الدولة ورأسها الذي يعطّلها ما ان يقطع».
يضيف اده: «نعم من الضروري الابقاء على الآلية الحالية بغية الحض على انتخاب الرئيس، وهو ما تطالب به القيادات والوزراء الموارنة. تسهيل عمل مجلس الوزراء بآلية مرنة يعني انه لن يكون هناك ابدا رئيس للجمهورية. في غيابه لا يمكن الركون الى المواد الدستورية كما لو كان موجودا، لأنه رأس الدولة. لا يمكن الركون الى التصويت كما يقول الدستور في المادة 65. في غياب الرئيس تصبح الحال استثنائية، ما يوجب اعتماد التوافق والآلية الضاغطة لحمل الجميع على الذهاب الى انتخاب الرئيس، وليس التصرف كأن ما حدث امر عادي يمكن الاستمرار فيه، والاعتياد على ان لا حاجة الى رئيس للدولة. هذا غير مقبول. بالتأكيد هناك مأزق اربك الجميع وخصوصاً الرئيس تمام سلام. استمرار الآلية مع كل الخلافات المرافقة لها هو دق ناقوس الخطر بأن الجمهورية بلا رئيس، ما يدعو الجميع الى انتخابه. لن يكون الرئيس الا مارونياً لسبب بسيط هو ان اياً من الفريقين السنّي والشيعي لا يسعه ان يقبل بالآخر في رئاسة الجمهورية».
اسرائيل تعيش مآزق
موجعة وليست أقل انهياراً من العرب وأنظمتهم وكل المنطقة تتفكك

يفلسف إده وجهة النظر هذه بالقول: «لبنان في الاصل للموارنة والدروز. عندما قال لي وليد جنبلاط انه اخطأ في حق الموارنة، لكن الدروز تصالحوا معهم وينبغي ان لا يفترقا، قلت له ان الدروز اولا ثم الموارنة، لان الدروز سبقوا الموارنة الى لبنان وهم الاصل فيه. صحيح ان هناك دروزا في سوريا واسرائيل، لكن وجودهم السياسي الفعلي هنا في لبنان. قلت ايضا للسيد حسن نصرالله قبل سنوات ان عليه ان يكون حريصا على الموارنة لأن لا لبنان من دون موارنة. عندما يكون فيه موارنة يصبح لبنان، وعندئذ يكون وطن الشيعة ايضاً لأن لا شيعة في العالم العربي سوى هنا. الارثوذكس والكاثوليك سوريو الجذور. اما السنّة فظلوا لسنوات طويلة لا يتقبّلون الكيان اللبناني. من دون هذا اللبنان يصبح حزب الله عصابة. قلت له ذلك فوافقني الرأي».
لكن مَن يصنع الرئاسة اليوم؟ المسيحيون، المسلمون، الخارج؟
يعقب: «الوضع اليوم مختلف للغاية عن السابق في ادارة انتخابات الرئاسة. في ما مضى كانت للسنّة اليد الطولى في انتخاب الرئيس الماروني للجمهورية، ولم يكن هذا الامر مثار جدل او تشكيك. كان الشيعة على هامش الحياة السياسية وقليلي التأثير قياسا بالسنّة، وفي بعض الاحيان لا دور لهم حتى. كانت هناك حكومات تؤلف بلا وزير شيعي اكثر من مرة، وانتخاب رئيس المجلس الشيعي سنة فسنة كان يضعه اسير رضى رئيس الجمهورية عليه بسبب تأثيره على الاكثرية النيابية. كذلك حال الشيعة في الوظائف العامة. هذا الوضع تغير تماماً اليوم وانقلب رأساً على عقب. اصبح الشيعة في قلب المعادلة وطرفاً قوياً مؤثراً لا يمكن تجاهله، بل لا بد من الوقوف على ارادته. انتبه: حزب الله هو ممثل الشيعة. حزب الله لبناني، لا هو ايراني ولا سوى ذلك مما يقولون. ليس في الامكان اهماله. قد يكون العماد عون عندما تحالف مع الشيعة، وحزب الله تحديدا، قطع نصف الطريق الى الرئاسة. يبقى النصف الآخر مع السنّة. في السنوات الاخيرة لم يعد هناك مسلمون كما في العقود الماضية، بل سنّي وشيعي. سنّي وشيعي لا يساويان مسلماً كما من ذي قبل. بل السنّي هو السنّي والشيعي هو الشيعي. هذا هو واقع ازمات اقليمية في المنطقة تسببت بوجود نزاع سنّي ــــ شيعي. اليوم هناك توازن هائل بين الفريقين في لبنان، ما يعني الحاجة الى توافق سنّي ــــ شيعي على كل الاستحقاقات وخصوصا انتخابات الرئاسة. من دون هذا التوافق سيكون صعبا حصولها».