القاهرة | ركزت زيارة رئيس الوزراء الليبي عبد الله الثني لمصر على ملف التعاون الأمني في الأساس، ومدى استمرار التشاور مع القاهرة بشأن التحركات التي باتت موحدة من قبل القاهرة والبرلمان والحكومة المؤقتة في طبرق، على الصعيد الإقليمي والدولي في محاربة «داعش» وجماعة «الإخوان المسلمين» في ليبيا المسيطرة على العاصمة طرابلس وما يدعمها من ميليشيات مسلح.ووفقاً لمصادر مصرية وليبية حكومية حضرت اجتماعات الثني مع المسؤولين المصريين، كان ملف التنسيق العسكري والاتصالات الدبلوماسية الدولية والإقليمية على رأس أجندة المباحثات، بينما أكد الطرفان ضرورة استمرار الدعم العسكري المصري وعدم اقتصار الأمر على الضربة الجوية التي وجهتها القاهرة للثأر والرد على مقتل 21 مصرياً قبطياً في ليبيا على أيدي مسلحي «داعش».

وعلمت «الأخبار» أن لقاءات وزير الدفاع الليبي المكلف في حكومة الثني، مسعود ارحومة مع المسؤولين العسكريين المصريين بحثت نتائج الضربات الجوية المصرية وتداول المعلومات الأمنية في ما يتعلق بتحديد أهم المناطق المحتمل توجيه ضربات جوية جديدة إليها.
وقال ارحومة في تصريحات صحافية إن «التنسيق على المستوى العسكري قائم في إطار استمرار توجيه الضربات الجوية، ولكن ما يخص التدخل البري، هو أمر غير وارد».
وأوضحت المصادر أن «استمرار التعاون العسكري هو قرار موحد للجانبين المصري والليبي ولا خلاف قائم عليه، إلا أن ليبيا لا تزال تطمع في مزيد من الدعم المصري للتفاوض من أجل إمداد الجيش الليبي بالسلاح الكافي في معركته ضد الإرهاب، خاصة في ظل قرار مجلس الأمن بفرض الحظر الجوي على ليبيا لمنع تسليح الجيش الليبي».
بينما لوح رئيس الوزراء الليبي في تصريحات صحافية في ختام زيارته للقاهرة بأنه سيكون هناك اتفاقيات هامة سيجري تفعيلها ومشاريع استراتيجية مع روسيا، مشيراً إلى تعاقدات سابقة للجيش الليبي مع روسيا جرت في 2008 بمليارات الدولارات ويمكن تفعيلها وتغيير نظام التسليح من الثقيل إلى المتوسط. وكشف الثني عن تحركات حكومته مع روسيا والصين، للحصول على السلاح، في ظل القرار الدولي بحظر تسليح الجيش الليبي، الذي يؤدي إلى منع الجيش والشرطة من الحصول على الأسلحة التي تمكنه من محاربة الإرهاب.
وتضمنت اللقاءات الثنائية التي قام بها الوفد المرافق للثني لقاءات بين مسؤولين أمنيين لمتابعة نتائج التحقيقات في حادث مقتل المصريين الأقباط في مدينة درنة الليبية، بينما أوضحت المصادر أنه لا يزال هناك ملابسات كبيرة لتقديم أدلة واضحة لإدانة أو تحديد هوية أشخاص بعينهم، رغم أن الاتهام العام موجه إلى مسلحي «داعش».
وعلى مستوى التنسيق الثنائي للتفاوض الدولي في ما يتعلق بحل الأزمة الليبية في ظل مشروع القرار الذي تقدمت به القاهرة إلى مجلس الأمن والمتعلق بليبيا، أبدى الجانب الليبي خيبة أمله في التعويل على المجتمع الدولي ومجلس الأمن في التدخل من أجل وجود حل سياسي أو عسكري لإنهاء النزاع رغم قبول الحكومة والبرلمان الليبي بالحوار الوطني الذي ترعاه الأمم المتحدة بقيادة المبعوث الأممي برناردو ليون.
وقال الثني إن بلاده لم تعد تعوّل كثيراً على أي قرار قد يصدر عن مجلس الأمن والمجتمع الدولي في حل الأزمة الليبية، مضيفاً: «ننتظر الدعم من الدول الصديقة والداعمة للشرعية في ليبيا».
ولا تزال القاهرة تؤدي دور التوسط من أجل تقليل تأثير التدخلات العكسية من بعض الدول العربية، وعلى رأسها السودان، وذلك من خلال المباحثات القائمة بين دول الجوار الليبي والاتصالات التي يجريها الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه مع نظيره السوداني عمر البشير، وذلك بعد تعدد الشكاوى والتقارير المعلوماتية التي أجراها الجيش الليبي والأجهزة الأمنية التابعة له برصد دعم عسكري وإمدادات سودانية توجه إلى الميليشيات المسلحة التي تقاتل مع مجموعات «فجر ليبيا».
ورغم استمرار التقارير الأمنية الليبية عن استمرار التدخلات العسكرية، كشف الثني في تصريحاته أن «هناك تغيراً ملحوظاً في دور السودان»، لافتاً إلى زياره قام بها للسودان اتُّفق خلالها على وجود قوة عربية مشتركة على الحدود الليبية السودانية لفرض السيطرة الأمنية.
ورغم الضغوط الدولية وما تثيره بعض الأطراف العربية ودول الجوار بضرورة التوصل إلى اتفاق سياسي يشبه المصالحة مع «الإخوان المسلمين» و«فجر ليبيا» وإدخالهم في منظومة الوفاق الوطني من أجل الوصول إلى تسوية سياسية، وهو الشرط الذي أبداه المجتمع الدولي نظير التدخل لدعم جهود الاستقرار في ليبيا، إلا أن حكومة الثني ومجلس النواب في طبرق يرتكن إلى القاهرة في إيجاد مخرج لرفض هذه الضغوط الدولية ورفض الحوار مع «الإخوان» بحجة تلوث أيديهم بالدماء وتورطهم في عمليات إرهابية ضد الشعب الليبي.
ومع إعلان القاهرة لموقفها بشكل مباشر من هذا الأمر والتأكيد أن الحكومة والبرلمان هما السلطة الشرعية الوحيدة في البلاد، فإن الجانب الليبي قد يضطر إلى تقديم تنازلات من أجل التوافق على الدخول مع الإخوان المسلمين في ليبيا في حكومة انتقالية أشبه بالوفاق الوطني من أجل استصدار قرارات دولية تفك الحظر المفروض وتحرك المياه الراكدة وتكون سبباً في إعادة تكوين المؤسسة العسكرية وتسليحها.
وبدت هذه المؤشرات في حديث الثني خلال تصريحاته التي قال فيها «إذا عادت فجر ليبيا إلى صوابها وسلموا العاصمة طرابلس، وسلموا السلاح الواقع في حوزتهم يمكن الاتفاق والحوار معهم وادخالهم في العملية السياسية، ولكن لا يعني أن يكونوا في صدارة المشهد السياسي».
وأوضح الثني أن قرار المجموعة الممثلة لمجلس النواب لتعليق مشاركتها في الحوار الوطني في جنيف سببه إعادة التشاور، مؤكداً أنّ «هذا الموقف لا يعني انسحابنا من الحوار وكل ما حدث هو تعليق بشأن التشاور ومعرفه وتوضيح الرؤية ولم يتم اتخاذ قرار من مجلس النواب بوقف الحوار نهائياً».
وطالب الثني المبعوث الأممي بأن يكون على مسافة واحدة من كل الأطراف ويسعى إلى تقريب وجهات النظر لأن من يقرر مصير ليبيا في النهاية هو الشعب الليبي والبرلمان الليبي، والقرار سيكون قراراً ليبياً محضاً، ولن تكون له علاقة بالأمم المتحدة.
وعن الموقف الأميركي ومؤشرات وقوف الولايات المتحدة ضد استصدار قرار دولي لحل الأزمة الليبية، قال الثني إن «هناك ضغوطاً واضحة، تظهر في محاولات ايجاد مخرج للإخوان وضمهم إلى العملية السياسية، ولكن لا ينبغي الموافقة على أنهم يكونون في قيادة العملية السياسية، والضغوط تكون بطريقة غير مباشرة مثل عرقلة قرار في مجلس الأمن ولا يمكن تصور أن تكون مباشرة وفي العلن».
ورغم الإدانة الواضحة من الحكومة الليبية للموقف الأميركي، إلا أن الثني قال: «لا يمكن غض النظر عن الدور الأميركي، وهي دولة فاعلة وصانعة القرار في العالم، شئنا أو أبينا، لذلك قمنا بزيارة للولايات المتحدة وكانت جيدة».
ولا يزال اسم اللواء خليفة حفتر قائد «عمليات الكرامة» في ليبيا والمنتظر التصويت في مجلس النواب لاختياره لمنصب قائد عام للجيش الليبي، موضع الخلاف بين الأطراف المعنية بالأزمة الليبية، وهو ما أُثير في المباحثات التي قام بها الثني ووزير دفاعه.
وقالت مصادر رسمية معنية بالملف الليبي لـ«الأخبار» إن موقف مصر من التنسيق العسكري مع ليبيا واضح، حيث يجري الاتصال مع القيادات العسكرية الليبية، ومنها حفتر الذي أعاده البرلمان الليبي إلى الجيش.