الثّور المتحجّر: سأقتلك!الثّور الحجريّ: أنا قُتِلتُ يوم قُتِل الثور الأبيض
على الرّغم من ورود تاريخٍ محدّدٍ لفيديو هدم آثار متحف الموصل، إلا أن السرياليّة تطغى على مكوّنات الصورة مع تاريخها، التي قد نخالها مقطعاً من فيلم يجسّد حدثاً أسطوريّاً يروي صراع الخير مع الشر. فللإنسان علاقةٌ غريبةٌ مع الحجر، ملجؤه منذ الكهف، وحاميه بخلقه النّار، وسلاحه الأوّل في الصيد.

تلازما سوياً على مرّ التاريخ، تصاحبا وتخاصما، حتّى أصبح أحدهما يعبّر عن الآخر.
لكن التاريخ الوارد في الفيديو، الذي يشير إلى شهر شباط من عام 2015، وعلى الرّغم من تشكيله صدمةً مؤلمةً، لا يدلّ إلّا على ما قاله «الثور الحجريّ» في مستهلّ النّص. فمتى هُدِمَ فعلاً متحف الموصل؟ إجاباتٌ عديدةٌ تأتي: قد يكون التاريخ هو يومَ دُمرَت بعض آثار متحف بغداد، وسُرق الباقي منها عام 2003على يد الجيش الأميركي مباشرةً أو تسهيلاً. أم أنه يوم بدأت إصابات قلعة حلب عام 2012 على أيدي «مرتزقة» ما يسمّى «داعش»؟ أم هو يوم أَتلف هولاكو كتب العراق (بلاد ما بين النهرين) وحوّل لون النهر إلى أسود عام 1258؟ أم يوم غُيّرت أسماء أحجار فلسطين من طرقاتٍ وأبنية إلى لغةٍ لم يألفها بشرُها منذ عام 1890؟ أم يوم استُبدلت بأحجار بيروت أبنيةٌ عملاقة مخيفة منذ عام 1993؟ إننا نعجز عن التحديد. ثم تأتي أفكارٌ أخرى: يا ليت سُرقت كلّ هذه الآثار بدل تحطيهما. ولكن هذه الأفكار تصطدم بما يُسكتها فوراً. فماذا تعني «بوّابة عشتار» في لندن، أو «مخطوطة قوانين حمورابي» في فرنسا؟ أو برج إيفل، مثلاً، إذا ما رأيناه يوماً ما في الصين؟ ماذا يعني الحجر إذا فارق بشره؟ إذا خرج من جلده وسُلِخ عن بيئته الحاضنة؟ إن صلة الإنسان بالحجر الذي يحمل أفكاره الإنسانيّة ويبقيها، لا تجد مداها في الرقيّ إلّا في حضنٍ يجمعهما، ليجري التفاعل العموديّ بين الإنسان وأرضه. فوجود آثار بيروت خارجها، مثلاً، يبقي إنسانها وحيداً غريباً بين أبنيةٍ تمسخ وجوده، كما هي الحال اليوم، فضلاً عن إشكاليّة قراءة الآثار، وتصنيفها الخاضع لمفهوم القوي الذي يروي التاريخ بحسب مصالحه. فقد تكون سرقة الآثار بمثابة تدميرها! إننا نعجز عن الاختيار. متحف الموصل دمّره عجزٌ متراكمٌ منذ زمن طويل. عجزٌ جعلنا اليوم، في شباط 2015، نتساءل إذا كان قتل الحجر أسهل من قتل البشر، غير مدركين استحالة قتل أحدهما دون الآخر. فالثّور الأبيض هو حجرٌ وبشرٌ أزُهِقا معاً على أيدي ثيران متحجّرة كثيرة، ولا يُعيدهما معاً إلّا اتّحادهما من جديد.