تراجع بلدية طرابلس عن قرارها الرافض إقامة مرأب للسيارات تحت الأرض في (ساحة جمال عبد الناصر في منطقة التل) وسط المدينة، أتى بنتائج عكسية حتى الآن. فقبول البلدية بالمشروع بعد 10 أيام على رفضها له، وبعد ضغوط «مكشوفة» مارسها الرئيس سعد الحريري على رئيس البلدية والاعضاء، أطلق موجة ردود فعل، شارك فيها سياسيون الى جانب المجتمع المدني، تشي بأن القرار لم يصبح أمراً مقضياً، او ان تنفيذه لن يكون سهلاً.
أبرز الردود جاء من الرئيس نجيب ميقاتي، في موقف فُسّر على أنه محاولة منه ليقطف سياسياً الاستياء الشعبي من الأسلوب الفوقي الذي مارسه الحريري على البلدية لإجبارها على التراجع عن موقفها والقبول بالمشروع. رأى ميقاتي أن المجلس البلدي «تسرّع في نقض قرار كان قد اتخذه»، معتبراً أن «الانقلاب على القرار بالخفّة والسرعة التي تمّ فيها، هو انقلاب مريب يجعلنا نفقد الثقة بهذا المجلس»، مؤكداً أنه لن يتوانى عن «سحب الثقة بالمجلس البلدي، وصولاً إلى اعتبار هذا القرار مطعوناً فيه شعبياً وشرعياً»، ليخلص إلى أن طرابلس «تحتاج إلى خطة متكاملة، وليس إلى مشاريع مبعثرة».
لكن موقف ميقاتي لم يمرّ في عاصمة الشمال مرور الكرام، إذ شُنّت عليه أيضاً حملة انتقادات واسعة اعتبرت أنه «إذا كان جادّاً في طرحه فلم وافق أعضاء البلدية المقربون منه على مشروع المرأب، وكيف سيشرح للرأي العام هذا التناقض بين موقفه وبين ما أقدم عليه ممثلوه في البلدية؟».
سأل كثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الاعتصام الذي أقيم ظهر السبت أمام البلدية احتجاجاً: «إذا كان ميقاتي يقول إن طرابلس تحتاج إلى خطة متكاملة لإنمائها، فلم لم يجهز هذه الخطة أيام وجوده في رئاسة الحكومة؟».
الاعتصام امام البلدية كان حاشداً، وقطع المحتجون الطريق أمامها رمزياً، وشنّوا حملة قاسية على المشروع، وأوضح بعضهم أنهم سيقيمون خيم اعتصام في ساحة التل لمنع تنفيذ المشروع، بينما حذرت منسقة لجنة متابعة مشاريع طرابلس ناريمان الشمعة «المتعهدين من دخول أي مناقصة أو التزام يتعلق بالمشروع».
الاعتراض السياسي على المشروع امتد أيضاً إلى الجماعة الإسلامية (ممثلتها في البلدية هبة مراد رفضت التراجع عن رفضها المشروع). علاقة الجماعة مع تيار المستقبل باتت في السنوات الأخيرة مأزومة جداً، على خلفية الموقف السلبي للمملكة العربية السعودية، وبالتالي تيار المستقبل، من تنظيم الإخوان المسلمين الذي تمثل الجماعة الإسلامية جناحه اللبناني. رأت الجماعة في بيان أنه «لم يعد خافياً على أحد ما يمارس على طرابلس ومجلس بلديتها من توتاليتارية تفرض عليه»، معتبرة أن «تراجع غالبية أعضاء مجلس بلدية طرابلس عن موقفهم من مشروع مرأب ساحة التل، هو خيانة لأمانة طرابلس ومواطنيها».
في موازاة ذلك يلزم تيار المستقبل في طرابلس صمتاً مريباً حول المشروع، من غير أن يبادر إلى توضيح مبررات وفوائد المشروع الذي فرضه رئيسه على بلدية المدينة، وهل هو أولوية ملحّة في طرابلس. بدا التيار محرجاً أمام ما يشاع في طرابلس عن روائح صفقات وعمولات وسمسرات ليس وزراء ونواب وكوادر التيار الأزرق في المدينة بعيدين عنها.
ميقاتي يتهم
بلدية طرابلس بالانقلاب «المريب»

غير أن الانتقادات لم توفر أيضاً رافضي مشروع المرأب الذين يدعمون مشروع الهبة التركية لإنشاء قصر للثقافة والمؤتمرات في طرابلس. إذ وجه معارضون لإنشاء مثل هذا القصر ملاحظات عليه، منها: لماذا لا يعاد تأهيل وترميم الآثار العمرانية العثمانية الكثيرة في طرابلس، التي تعاني إهمالاً وتداعياً، بدلاً من إنشاء قصر يكون بديلاً من سرايا عثمانية قديمة هدمت قبل نحو 50 عاماً؟ وما جدوى إنشاء قصر للثقافة والمؤتمرات في ساحة التل، التي يوجد فيها مركز ثقافي هو قصر رشيد كرامي الثقافي البلدي (قصر نوفل سابقاً) نوفل الذي لا يبعد أكثر من 30 متراً عن القصر المنتظر، وهل طرابلس التي تعاني إنمائياً على كل الصعد لا ينقصها إلا قصر للثقافة والمؤتمرات؟
وفي وقت لزم فيه أعضاء البلدية الموافقون على المشروع، بعد رفضهم له قبل 10 أيام، الصمت، خرج رئيس البلدية نادر غزال ليقول إن البلدية طلبت تعديلاً على هذا المشروع (للمفارقة لم تطلع عليه البلدية بعد)، وإن هذا التعديل يلحظ إقامة قصر للثقافة والمؤتمرات فوق المرأب، معلناً أنه سيتم تمويله من البلدية!
لكن غزال الذي رفض تهم بيع وخيانة المدينة التي وُجهت إليه وإلى أعضاء البلدية الذين وافقوا على مشروع المرأب، لم يجب على سؤال من أين ستأتي البلدية بالأموال اللازمة لبناء قصر كهذا، وإذا كانت البلدية عجزت في عهده عن إصلاح رصيف أو إنارة شارع او تشجير ساحة أو تنفيذ أي مشروع تنموي، ولو كان بسيطاً، فهل حقاً ستنفذ مشروعاً بحجم مشروع قصر الثقافة والمؤتمرات؟