لم ييأس الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان من محاولات البحث عن دور له في الحياة السياسية. لا يثبط همّته أن يجلس في ندوة لنقابة المحامين في صالة أكثر من نصف مقاعدها فارغ، طالما أن هناك منبراً يُطلق من خلاله خطابه «المعتدل والوسطي»، علما أن مواقفه لا تحمل من هاتين الصفتين إلا اسميهما. منذ انتهاء عهده الرئاسي، ما فتئت فكرة إنشاء جبهة سياسية تراوده، وهو الطامح الى الترشح في الانتخابات النيابية عن قضاء جبيل لمواجهة زعامة العماد ميشال عون، برغم نفيه لذلك مرات عدة عبر مقربين منه. يريد الرئيس السابق، الذي لم تمكّنه سنوات عهده الست من تكريس بيئة شعبية حاضنة له، أن يؤكد للرأي العام أنه لا يزال جزءاً من الحياة السياسية، الا أن النتيجة مزيد من الخسارة.
رئيس بلدية جبيل زياد حواط (شقيقه نبيل متزوج ابنة سليمان)، على سبيل المثال، لم يعد يخفي في مجالسه الخاصة انزعاجه من تحركات الرئيس السابق، «لأن آل حواط يعتقدون بأنهم من الزعامات الجبيلية التاريخية، وبالتالي لن يقبلوا أن يأتي سياسي من عمشيت (بسبب حساسيات قديمة بين البلدتين) ويقول لهم: اتبعوني»، بحسب أحد السياسيين الجبيليين. أما على الصعيد الشعبي، فلم يعد «شعب عمشيت» يُصدق وعود فخامته بأنه «بعد شهرين سنُطلق تيارنا السياسي».

معوض ومتري الأكثر استجابة وردود «المستقلين» مخيّبة


خذلوه أكثر من مرة. حين كان يطلب منهم التوافد الى منزله، كان يُفاجأ بأن من يلبون النداء في كل مرة لم يكونوا يتعدّون العشرين شخصا. «رفع العشرة»، استسلم، وأقفل أبواب بيته مُفضلا السكن في بعبدا.
آخر محاولات «الانعاش» لمسيرته السياسية، كانت محاولته التواصل مع شخصيات مستقلة في قوى الرابع عشر من آذار من طوائف مختلفة، «عله ينجح في إزالة الصبغة المسيحية عن تياره»، بحسب ما تقول إحدى هذه الشخصيات، كما حرص «على لقاء ناشطين سياسيين على نحو فردي، قسم منهم قبل التعاون معه، والقسم الآخر فضل التريث لأنه ملّ هذه التجمعات». منذ أشهر وهو يحاول «تركيب هذه الصيغة. وهو عقد، لهذه الغاية، عدداً من الاجتماعات»، كما يقول أحد المقربين منه، وهدفه «جمع ستين شخصية». تواصل الرئيس السابق مع أعضاء حركة التجدد الديمقراطي: أنطوان حداد وسمير لحود ومصباح الأحدب، اضافة الى مالك مروة، ابراهيم شمس الدين، علي الأمين ومصطفى فحص، وهو ابن العلامة الراحل هاني فحص. أما الأكثر حماسة، فهما رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض، والوزير السابق طارق متري. هذا التجمع، إن نجح، يُمكن وصفه بـ «المنتدى الحواري، لأنه لا شيء مُهماً لدى سليمان ليُقدمه»، بحسب المصدر. «حجر الزاوية» في هذا «المنتدى» سيكون اعلان بعبدا الذي كانت أبرز نقاطه، لمن لا يتذكره، «التزام القرارات الدوليّة، بما في ذلك القرار 1701. تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الاقليمية والدولية وتجنبيه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الاقليمية، والتمسك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده». حتى الساعة، لا أحد ثابتاً مع سليمان سوى معوض، «أما البقية، فتارة يحضرون وتارة يغيبون. لم يعودوا يؤمنون بأن من شأن هذه التحركات أن تُغير شيئاً في المعادلة».
في قراءة للظروف التي ساعدت سليمان على انضاج فكرته وتطويرها، يعزو المصدر ذلك، على نحو أساسي، الى «الحوار بين المستقبل والتيار الوطني الحر. فهو مثّل ضربة بالنسبة إلى المستقلين، وخاصة أن تيار المستقبل كان من المشجعين لهذا الحوار»، اضافة الى أن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تمكّن من «احتكار التواصل مع السعودية. وهو يهمه أن يُهمش هذه الشخصيات التي لا وزن لها شعبياً». لذلك، لم يجد هؤلاء من خيار امامهم سوى الالتحاق بسليمان «بغية توجيه رسالة الى جعجع والرئيس سعد الحريري مفادها: لا يمكنكما تهميشنا والانفتاح على عون من دون أخذ رأينا على الأقل. باختصار، يريد هؤلاء التأكيد أنهم موجودون».
نائب في القوات اللبنانية يقلّل من أهمية «المنتدى السليماني» لأسباب عدة، أبرزها، «أولا أنه سيكون أقرب الى خيارات فريقنا السياسي لأنه يرفع الشعارات نفسها» ما يُسقط عنه صفة الوسطية. وثانيا، «لأن المستقلين الذين ينضمون الى المنتدى لن يتمكنوا في مناطقهم من فك التحالف مع القوات، وإلا فسيخسرون مقاعدهم»، والوزير بطرس حرب ومعوض مثال على ذلك. أما تيار المستقبل، فلا تخفي مصادره انزعاجها من المنتدى «ولكننا نعرف جيدا أنها الفرصة السياسية الأخيرة لسليمان لذلك يريد استغلالها». الانزعاج من خروج سليمان والرئيس أمين الجميل والبقية عن الخط الذي رُسم لهم لا يُلغي واقع أنه «حين تأتي ساعة الاستحقاقات، كل من يسمون أنفسهم مستقلين سيلتزمون تعليمات قيادة المستقبل».