غداة انتخاب الرئيس المصري المعزول محمد مرسي عام 2012 ، رفعت مدرسة روضة الايمان (التابعة للجماعة الاسلامية) في منطقة برج البراجنة صورة كبيرة له كتب تحتها «يوسف عصره». بحسب الجماعة، سار مرسي على خطى النبي يوسف الذي اعتقل ظلماً وسُجن قبل أن يصبح «عزيز مصر». في تلك المرحلة، أعدّت الجماعة نفسها لدور كبير في لبنان بعدما ترأس إخواني أكبر دولة عربية.
بين ليلة وضحاها، باتت الجماعة حزباً ذا امتدادات إقليمية، وبدأ «إخوان لبنان» عقد اجتماعات دورية لكوادرهم للتأقلم مع الواقع الجديد. تعاطت كافة الاطراف اللبنانية، يومها، مع الجماعة على أن رضاها في لبنان مقدمة لنيل الرضا المصري. هذا، على الأقل، ما شعر به شاغلو مبنى الجماعة في عائشة بكار. يقول أحد القياديين في تنظيم حسن البنا إن «نظرة الأحزاب اللبنانية تغيّرت تجاهنا، وباتت تقيم وزناً لنا. حتى إن بعض الاحزاب التي لم تكن تتواصل معنا، بدأت بالتقرب والتعرف إلينا أكثر».
ورغم الإيجابية التي أبداها إخوان لبنان تجاه الاطراف كافة، كان هناك حزب واحد مغضوب عليه من قبل الجماعة هو حزب الله. فبعد اندلاع الازمة السورية، توقفت اللقاءات الدورية التي كانت تعقدها اللجنة المشتركة بين الطرفين، والتي كانت حينها ضرورية لتنفيس الاحتقان الطائفي بين عناصرهما. ومع تطور الأزمة السورية، وبسبب المواقف الحادة التي أطلقها علماء الجماعة ضد الحزب و«تأكدنا من تدخل حزب الله عسكرياً في الثورة السورية، انقطعت العلاقة رسمياً بيننا منذ 2013 الى 2014»، كما يقول المسؤول السياسي للجماعة في بيروت عمر المصري لـ«الأخبار». في تلك الفترة «أوصلنا خلافنا حول سوريا الى مرحلة القطيعة على المستوى السياسي، فيما بقي التواصل قائماً على المستوى الفردي فقط».

الخلافات لا تزال
كبيرة ووساطة «الجهاد» لم تنجح



رغم الخلاف «لا يوجد طلاق بيننا»، قال المصري، إذ توجد قنوات تواصل بين الطرفين على مستوى بعض مسؤولي المناطق بهدف تدارك أي إشكال يقع بين أنصارهما. يؤكد المصري وجود «رغبة في إعادة العلاقات والتواصل على مستوى بيروت، على أن نحيّد ما يجري في سوريا عن نقاشاتنا». وفي هذا السياق، عقدت اللجنة المشتركة بين الجماعة والحزب منذ أشهر اجتماعاً. ولأن الخلاف في وجهات النظر كان كبيراً، «قررنا عدم إصدار أي بيان إعلامي، لأننا نريد خطوات ملموسة وليس مجرد كلام في الهواء». حالياً، تسعى الجماعة الى عقد لقاءات حوارية بين كوادرها وشخصيات سياسية مقرّبة من الحزب، وقد «اتصلنا بحزب الله وطلبنا منهم إرسال شخصية سياسية لنتناقش معها، لكنهم لم يجيبونا حتى الآن»، قال المصري.
ولكن، رغم محاولة إشاعة أجواء إيجابية وسعي الطرفين إلى فتح قنوات اتصال بينهما، لا يزال داخل الجماعة من يعارض مثل هذا التوجه. فبعد عملية القنيطرة ورد حزب الله على العدو في شبعا الشهر الماضي، قال نائب الجماعة عماد الحوت، وهو بالمناسبة أحد أكثر وجوه الجماعة تشدداً في شأن العلاقة مع الحزب، في حديث إلى تلفزيون «المستقبل» في 2 شباط الماضي، إن «حزب الله وإسرائيل كانا في حاجة للعملية الأخيرة. فالعدو مقبل على انتخابات داخلية، وهو في حاجة لإظهار قدرته على الضرب كي يستنهض بنيامين نتنياهو شعبيته المنهارة، فكانت عملية القنيطرة، وحزب الله كان في حاجة ليبيّض صفحته بعد كل ما جرى في سوريا، وكان عليه أن يقول: أنا ميليشيا في سوريا، لكنني ما زلت مقاوماً في جنوب لبنان، فكانت عملية مزارع شبعا». كلام الحوت دفع أحد مسؤولي الحزب إلى الاتصال بالجماعة وإبلاغها استياء الحزب، خصوصاً أن العملية هي ضد العدو الإسرائيلي، فما كان من المكتب السياسي للجماعة، بحسب المصري، إلا التأكيد على أن «كلام الحوت فسّر بطريقة مغلوطة، وأن عداءنا لإسرائيل لا يمكن الشك فيه، وبناءً عليه تشاورنا وأصدرنا بياناً في اليوم التالي». هكذا بارك بيان الجماعة في 3 شباط «عملية استهداف قوات الاحتلال داخل مزارع شبعا المحتلة، وهذا هو المكان الوحيد الذي يليق بحزب الله أن يكون فيه، أي في مواجهة العدو الإسرائيلي، ما يعيد إليه صورة المقاومة المشرقة التي بها حظي الحزب باحتضان اللبنانيين على اختلاف مشاربهم».
بعد هذا القطوع حاولت حركة الجهاد الإسلامي التوسط بين الطرفين لتحسين العلاقة بينهما. ولكن، بحسب مصادر في الفصيل الفلسطيني، فشلت الوساطة لأنه «يوجد الكثير من نقاط الاختلاف حول ما يجري في سوريا، ولا يزال الطرفان غير مستعدين للحوار»، فيما يؤكد مقرّبون من حزب الله أن العلاقة مع الجماعة «لم تتطور وهي في حدودها الدنيا، إلا أن النية موجودة لتحسينها في المقبل من الأيام». رغم ذلك، محاولات التواصل مستمرة لإعادة المياه الى مجاريها، أو على الأقل لعدم تحوّل الانفصال طلاقاً.