بيت لحم | في «المطلوبون الـ ١٨» (75 د) الذي يقدم ضمن «أيام بيروت» (15/3)، يدمج عامر الشوملي (1981) والكندي بول كاون بين الوثائقي والدراما. يلجأ إلى الأسلوب التهكمي عن طريق «التحريك» (animation) لتجسيد 18 بقرة. يعتمد عليها في بناء الفيلم ضمن رحلة استعادة لتاريخ الانتفاضة الأولى عام 1987، مقارباً الوعي الشعبي الذي تمثل في اتخاذ قرارات دفعت بقوات الاحتلال إلى تدفيع الثمن لأهالي بلدة بيت ساحور في محافظة بيت لحم.
الشوملي حقق حلمه في تجييش كل مدخراته الفنية لإنتاج هذا الفيلم الذي يجمع بين التمثيل والرسم ومقابلات حية لشخصيات كان لها أثر إبّان أحداث بيت ساحور. كذلك، يضيء على المقاطعة وأهمية بناء اقتصاد ذاتي انطلاقاً من قصة شراء أهل بيت ساحور 18 بقرة من مزارع إسرائيلي، وتهريبها إلى البلدة. خطوة جاءت بعد تحضيرات ونقاشات طويلة بين أهل البلدة من أجل تحقيق هذا المشروع الذي يعد نموذجاً لتطوير فكرة المقاومة ومقاطعة الشركة الإسرائيلية المصنعة للحليب هناك، وإيجاد بدائل أخرى في دعم وتشغيل الاقتصاد الفلسطيني وتحدي ظروف الاحتلال من منع تجوال وتحكم بحياة الناس. قصة الـ ١٨ بقرة، بدأت من تهريبها بعد شرائها من الداخل الفلسطيني المحتل، وإدخالها إلى بيت ساحور ليلاً. تبعها تقسيم المهمات بين أهالي القرية للمراقبة والمساهمة في حمايتها والبحث عن مكان مناسب لها، وتدريب الشباب على كيفية التعامل مع البقرات كإطعامها وتربيتها وحلبها.

أبدع عامر الشوملي في
هذا الفيلم الذي يقارب الوعي الشعبي في الثمانينيات

وهذا ما دفع ضابط الإدارة المدنية الإسرائيلي إلى اتخاذ قرار بالبحث عن هذه البقرات واعتقالها هي وأصحابها بدعوى أنّها «تهدد أمن اسرائيل»، ما أدخله في دوامة تدعو إلى السخرية والتهكم. وما ضاعف سخرية الموقف أن القصة تفقد المركزية، ولا يمكن معرفة قائد المهمة لأن الجميع مشارك في هذا الفعل. بعد تطور الأمر، يبحث المحتل عن ذرائع أخرى لمهاجمة أهالي البلدة «بالقانون». بعد عدم دفع الضرائب، يعمد الاحتلال الى نهب وسرقة محتويات المنازل من أجهزة كهربائية وممتلكات خاصة وغيرها، ليحرق أهالي البلدة بطاقات الهويات في حركة احتجاجية رداً على ذلك.
فيلم البقرات الـ ١٨ يشكل أيقونة بحثية متجددة في الأسلوب والتقنية في مجال الأفلام الوثائقية المقاومة المساهمة في تشجيع الفكر المقاوم ومشروع العصيان المدني، والمقاطعة وبناء اقتصاد فلسطيني ذاتي. ويفتح الباب على توثيق الماضي عبر شهادات حية لأشخاص عاشوا التجربة وشاركوا في العمل. مدة الفيلم (75 د) تسيطر على المشاهد وتضعه في زمن يُبكى عليه، ويُثري معرفته في حجم التحولات السلبية التي جاء بها زمن أوسلو.