في الصين «مدن جديدة تُبنى كل يوم، بالمعنى الحرفي»، يقول شين، متوقعاً أن تتضاعف مساحة المدن في الصين بحلول عام 2030، لافتاً إلى ما تثيره الظاهرة الكاسحة تلك من هواجس «استنفاد للموارد» وإلحاق الضرر بالبيئة الطبيعية. إضافة إلى الزحف العمراني، فإن «الموارد الطبيعية وإنتاج الغذاء في منافسة مع إنتاج الطاقة وتغيير العادات الغذائية»، ما يفرض تحدياً خطيراً وضرورة لوضع الخطط المتكاملة لإدارة المساحات الزراعية والموارد الطبيعية والحفاظ عليها، لضمان عدم تجاوز «الخطوط الحمراء» وتهديد استدامة دورة الحياة.
يشير شين في هذا السياق إلى سياسة اتبعتها الصين منذ ثمانينيات القرن الماضي، تقضي بوجوب التعويض عن المساحات الزراعية المحولة إلى استعمالات أخرى، وفرض «كوتا» ترسم الحد الأدنى غير المسموح تجاوزه من المساحات الزراعية في المناطق كافة. ومع تحول الصين إلى «مصنع العالم»، ومراكمتها نتيجة لذلك احتياطات ضخمة من العملات الأجنبية (مارست عليها الدول الغربية ضغوطاً لرفع سعر صرف عملتها المحلية)، انتهجت الصين سياسة استخدام احتياطاتها لشراء أصول منتجة في الخارج، كان من ضمنها شراء مساحات زراعية في بلدان أجنبية في سياق خطة لتحصين أمنها الغذائي بزيادة مساحة أراضيها الزراعية بخمسة أضعاف، يشرح شين، مشيراً إلى شراء الصين 1000 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية في زيمبابوي على سبيل المثال.

تطور التوجه الموصوف أعلاه إلى اتباع الصين سياسة «استعادة» الأراضي الزراعية المحولة إلى استخدامات أخرى، والتي قد تخلي الحكومة بموجبها مناطق ضعيفة الكثافة السكانية لإعادة استخدامها للزراعة، إن كانت الزراعة وجهة استخدامها الأمثل، يشرح شين، واضعاً ذلك في سياق سياسة جذرية جداً وطموحة جداً تتبعها الصين، هي سياسة هندسة الجغرافيا، بما عليها، بما يعكس «الوعي لمحدودية الموارد»، وبالتالي الحاجة إلى تحقيق الاستفادة القصوى من المساحات ومواردها الطبيعية. تعمل الصين في السياق نفسه لتوسيع «الزراعة الصناعية»، أي الزراعة الكثيفة الاستخدام لمدخلات الانتاج الكيميائية والآلات الصناعية، وبالتالي الكثيفة الانتاج والعالية المردود، يشرح شين، مضيفاً أن السياسة تلك لا تقتصر على ميدان الزراعة، بل تشمل اعتماد «التصميم التراجعي» للمناطق الصناعية، حيث تقلَص مواقع المصانع لحدودها «الطبيعية الأصلية».

«أيديولوجيا التخطيط» تلك، بحسب تعبير شين، أدت إلى السعي لابتكار نماذج كفوءة من «المدن البيئية» Ecocities (ربما تكون عبارة «الصديقة للبيئة» أدق)، والتي أعلنت عنها الحكومة الصينية في آذار من العام الماضي، في مسعى لإدارة موجة الهجرة من الريف إلى المدن، الأضخم من نوعها في التاريخ على مستوى العالم، وما يرافق التحول السريع والكاسح هذا من تفشٍ لـ«مرض التمدن»، حيث يتفاقم الزحام والتلوث و«يتصاعد التوتر الاجتماعي» (على حدّ تعبير مجلة «الإيكونوميست»). بموجب السياسة تلك، تنشئ الصين مدناً «جديدة بالكامل»، على أساس مخططات تراعي مبدأ «استدامة» الموارد وسلامة البيئة الطبيعية، وتضع في الآن نفسه بنى تحتية حديثة توفر الخدمات العامة (نقل، اتصالات، استشفاء، تعليم، إلخ...) بأكلاف اقتصادية، وتكون قادرة على دعم قطاعات صناعية «خضراء» وتنافسية للغاية، كصناعة الألواح الشمسية في مدينة Yixing، والتي ساهمت في إحداث الطفرة الهائلة في إنتاج الصين للألواح تلك منذ عام 2007.