تتكثف الاستعدادات السياسية، في موازاة الاستعدادات العسكرية، لانضمام الجيش اللبناني، خلال خمسة أو ستة أسابيع، بفعالية أكبر إلى الجيش السوري وحزب الله في قتالهما للمجموعات التكفيرية في جرود عرسال ومحيطها الجنوبي ــ الشرقي. حوار حزب الله و»المستقبل» يوفر أرضية صلبة لهذه العملية، وكذلك المساعدات الأميركية العاجلة للجيش وحركة عدة سفراء أوروبيين. إلا أن المشهد لا يختصر بهؤلاء فقط.
ففي بعض الصالونات العسكرية ثمة كلام صريح عن «مقابل» سياسي للعملية المنتظرة: يبدأ بالتمديد المسبق لقائد الجيش العماد جان قهوجي لأن الجيوش في الحروب، بحسب «أنصار القائد»، لا تستبدل قيادييها. ويصل الحديث عن هذا «المقابل»، لدى البعض، إلى حدّ التعهد لقهوجي بانتخابه رئيساً في حال أثبت فعالية مشاركة الجيش اللبناني في الحرب على الارهابيين.
«أنصار القائد» يتحدثون، بثقة، عن إنجازات نوعية حققتها المؤسسة العسكرية ــ سواء في عبرا أو في طرابلس ــ وبقيت من دون مكافأة. ويحاول هؤلاء، في مجالسهم، ربط المساعدات الأميركية الأخيرة والرهان الغربي الطارئ على الجيش، بشخص قهوجي لا بالجيش، علماً بأن المجموعات الشبيهة بما يسمى اليوم «أنصار القائد» كانت تطلق على نفسها، سابقاً، اسم «أنصار الجيش». ويلاحظ أن معنويات هؤلاء الأنصار (وغالبيتهم مقاولون) تتراجع إثر كل معركة للجيش، بحكم التذمر الافتراضي من عدم الحسم، لتعود وترتفع قبيل كل معركة، في ظل تأكيدهم الدائم أن مرشحهم إلى رئاسة الجمهورية يحظى بالدعم الأميركيّ والفرنسي والسعودي، ولديه صلاته القوية بكل من النظام السوري وحزب الله، وهو صلة الوصل بين كل المعنيين بمحاربة الإرهاب.
مقابل هذا السياق الحماسي، تبرز معارضة العماد ميشال عون الثابتة للتمديد لقائد الجيش.

تضع «معركة القيادة»
حدّاً لكذبة إمكان إقناع عون بالتخلي عن طموحه الرئاسيّ


فإلى جانب الخلفية المبدئيّة العونية الرافضة للتمديد بشكل عام في مختلف المواقع، وخصوصاً التمديد الانتقائي لضابط دون غيره، هناك سبب سياسي برفض منح قهوجي جوائز ترضية لحثّه على القيام بواجباته، سواء عبر التمديد له في قيادة الجيش أو وعده برئاسة الجمهورية. الموقف العونيّ الرسميّ لا يزال يرفض التمديد بالمبدأ، ويطالب (في حال وجود ضرورة قصوى) برفع سن التقاعد لجميع الضباط عبر تشريع يُقرّ في مجلس النواب، بدل التمديد عبر قرارات وزارية لضباط دون غيرهم، وإدخال الضباط بالتالي في معمعة الاستجداء والمحسوبيات.
وفي الأيام القليلة المقبلة، يجسّ العماد عون، بطريقته غير المباشرة، نبض معظم القوى السياسية، يتقدمها حزب الله والرئيسان نبيه بري وسعد الحريري، في شأن التمديد لقائد الجيش، ليبني على مواقفهم استراتيجيته للمواجهة، التي سيكون عنوانها تعيين قائد جديد للجيش. ويمكن، اليوم، ملاحظة أربع نقاط رئيسية في أحاديث المقربين من عون:
أولاً، تضع «معركة القيادة» حداً للكذبة التي صدّقها مطلقوها عن إمكان إقناع الجنرال بالتخلي عن طموحه الرئاسيّ مقابل تسميته قائداً جديداً للجيش. فالذهاب برفض التمديد لقهوجي إلى النهاية ــ كما ينوي عون ــ يسحب هذا العرض نهائياً من التداول.
ثانياً، تُخرج «معركة القيادة»، في حال فوز عون بها، أحد أبرز المرشحين إلى رئاسة الجمهورية من السباق الرئاسيّ. فرغم ثقته المطلقة بغالبية حلفائه، يعلم جنرال الرابية أن جنرال اليرزة أحد الأسماء التي يمكن هؤلاء التقدم بها في حال تيقّنهم من استحالة انتخابه أو النائب سليمان فرنجية رئيساً، كما يدرك أن قهوجي هو المرشح الأنسب لتيار المستقبل، لسهولة تكرار سيناريو ميشال سليمان بواسطته.
ثالثاً، تتيح «معركة القيادة» لعون تحريك الرأي العام مجدداً عبر تحريضه على حؤول الأفرقاء السياسيين، أيضاً وأيضاً، دون تعيين قائد جديد للجيش.
رابعاً، في حال تم اختيار العميد شامل روكز قائداً للجيش، سيزداد عون تفاؤلاً بقدرته على تحقيق مطالبه، فيزداد تمسكاً بترشيحه الرئاسي. وفي حال أقصي روكز سيزداد عون إيماناً بعدم تحقيقه أياً من مطالبه رغم انفتاحه هنا وهناك، فيزداد تمسكاً بترشيحه.
وتشير المعلومات، أخيراً، إلى عدم تقدم مساعي بعض المقربين من قهوجي لترتيب علاقته بعون علّه يتحرّر من فيتو الجنرال المعلن عليه، مع العلم بأن المواكبين لحركة عون كانوا يتوقعون إثارته موضوع التمديد لقائد الجيش في العشاء الأخير للتيار الوطني الحر لمناسبة ذكرى 14 آذار، السبت الماضي. إلا أن عون اكتفى بتذكير الحاضرين بأبرز أحداث السنوات القليلة الماضية، داعياً إلى تحديث أسلحة الجيش وتدريبه لمواجهة التخريبيين والارهاب بدل الاكتفاء بالتفرج والتصفيق للخطابات وتحية الأبطال المستشهدين، مردّداً: «كلنا جيشٌ في جرود عرسال وفي كلّ لبنان، وكلنا مقاومة ضد إسرائيل وضد التكفيريين والإرهابيين، الذين يشكلون خطراً وجودياً على لبنان وعلى المنطقة بكافة طوائفها وإثنياتها».