صنعاء| طويلاً وشاقاً كان درب الآلام الذي سار عليه الصحافي اليمني المُعارض عبد الكريم الخيواني (1965 ــ الصورة). لم يدّخر النظام السابق عقاباً نوعياً ومُبتكراً إلا ومارسه في حقه. وكان قد حُكم بالسجن لمدة ستة أعوام في 2008 بتهمة «تأليف عصابة مسلّحة»، ما دفع «منظّمة العفو الدوليّة» إلى منحه «جائزة الشجاعة في الصحافة». خرج من السجن بعد تدخلات واسعة من مختلف المنظمات الدولية وعاد لممارسة شغله الصحافي إلى أن رحل ذلك النظام.
لكنّ يبدو أن سيرة العقاب لن يكون لها نهاية مع هذا الصحافي الذي اشتهر بفتحه ملّف التوريث الرئاسي الذي كان الرئيس السابق صالح يسعى لتحقيقه لصالح نجله أحمد حيث سقط الخيواني ظهر اليوم برصاصات استقرت في رأسه في وسط صنعاء عن طريق مجهولين.
طوال مسيرته الصحافية، اعتبر رئيس التحرير السابق لجريدة «الشورى» المحليّة محسوباً على جماعة الحوثي بحكم أصوله القبليّة أو ما سوف يُطلق عليها لاحقاً «جماعة أنصار الله»، لكنّه كان يصرّ على أنه لا يمّثل سوى نفسه على الصعيد المهني. تنحدر عائلة الخيواني من منطقة صعدة (شمال اليمن) التي تعتبر من أهمّ مراكز الحوثيين ومعاقلهم. وكانت السلطة في السابق قد اتهمت هذا الصحافي المشاكس بعلاقته الوطيدة مع قادة هذه الحركة المنطلقة من تلك المنطقة بحيث تمّت محاكمته عام 2008 في قضيّة ملفّقة، إذ اتهم بـ «تأليف خلية حوثية وعصابة مسلحة»، وهو ما كلفه حكماً بالسجن ستة أعوام، أمضى منها عدّة أشهر، قبل أن يخرج بعفو رئاسي خاص، فرضه ضغط مدني ودولي غير مسبوقين. «من يصدق أنّ لدى صحافي القدرة على تأليف عصابة مسلّحة؟ إنّهم كسالى حتى في مسألة تدبير تهم من الممكن تصديقها»، بحسب ما قال لنا الخيواني في حديث كان قد أجراه لـ «الأخبار» في تلك الفترة.
رغم هذا، ظلّ هذا الصحافي حلقة وصل بين جماعة الحوثي وبين زملائه الصحافيين الراغبين في الحصول على معلومات أو طريقة لإجراء مقابلات صحافية مع شخصيات قيادية في قلب جماعة أنصار الله، وهو ما كان يتمّ تحقيقه بفضل العلاقات القويّة التي كانت تجمع الخيواني بهم. وهكذا، حرص هذا الصحافي على مسألة الإبقاء على حلقة وصل بينه وبين جموع أهل الصحافة في اليمن رغم موقف هؤلاء السلبي من جماعة الحوثي التي تمّ اتهامها بارتكاب جملة انتهاكات في حق السلطة الرابعة بعد نجاحها في السيطرة على صنعاء مطلع شهر أيلول (سبتمبر) الفائت وتحوّلها لسلطة فعلية حاكمة هناك.
لكنّ اللافت في جريمة اغتيال عبد الكريم الخيواني أنه يأتي ليسجل رابع حالة اغتيال تم ارتكابها في حق حياة ثلاث من كبار الشخصيات الأكاديمية والسياسيّة المحسوبة على جماعة أنصار الله وفي مناطق تقع فعلياً تحت سيطرة مسلّحي الحوثي. يأتي هذا ليطرح تساؤلات كبيرة حول هويّة الجهات التي تقوم بعمليات الاغتيالات هذه، وقد أتت تقريباً بطريقة تنفيذ تكاد أن تكون متطابقة إلى حد كبير. وفوق هذه التساؤلات، يأتي هاجس الخوف الأكبر من جهتها حيث يبدو أن جميع الصحافيين إضافة لجماعة أهل العمل السياسي من مختلف الأطراف والتوجهات في الوقت الحالي تحت خط نيران التهديد طالما والجماعة التي تسيطر على الوضع الأمني في العاصمة غير قادرة على حماية حياة المقربين منها.
آخر ظهور للصحافي الراحل إعلامياً كان قبل أيّام قليلة على شاشة قناة «بي. بي. سي. عربيّة» مشاركاً في فيلم وثائقي ضمن سلسلة باسم «عن قرب» من اعداد المخرجة السعودية صفاء الأحمد وحمل عنوان «الحوثيون، من الجبل إلى السلطة».