كانت اليمن الدولة الوحيدة، من بين الدول العربية الخمس (تونس- مصر- اليمن – ليبيا- سوريا) حيث انفجرت الأزمة الداخلية بين يومي 17 كانون اول 2010 و18 آذار 2011، التي انتهت إلى تسوية بين النظام والمعارضين في يوم 23 تشرين ثاني 2011 لما وقع الرئيس علي عبدالله صالح على «المبادرة الخليجية»، المغطاة أميركياً، ونقل السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي. كانت هذه تسوية ثانية ينتهي إليها تصادم يمني داخلي بعد اتفاقية جدة في آذار 1970 لما تم التوقيع على إطار لمشاركة الملكيين مع الجمهوريين في حكومة صنعاء بعد سنوات دامية أعقبت اسقاط حكم الإمامة يوم 26 ايلول 1962 وبرعاية الرياض والقاهرة المتصادمتين على الأرض اليمنية بعد أن رأى عبد الناصر المصلحة في التفرغ لمجابهة نتائج حرب حزيران والخروج من «الحرب الباردة العربية» التي كان اليمن مسرحها الرئيسي.
قادت اتفاقية جدة إلى استقرار اليمن الشمالي حتى وحدة 22 ايار 1990 مع الشطر الجنوبي لما قادت وحدة الرأسين، علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض، إلى أزمة في الجسم الجديد حتى انفجرت وتم تسكينها في انتصار الشماليين على الانفصاليين الجنوبيين في حرب 1994 التي أيدت فيها دول الخليج (ماعدا قطر) اليساريين الماركسيين السابقين ضد الرئيس صالح فيما أيدت واشنطن الأخير.
ساهم في نمو الحركة
الحوثية احساس زيديي شمال صنعاء بالتهميش في يمن ما بعد اتفاقية جدة 1970

في النصف الأول من التسعينيات ذهب أب يمني وابنه إلى طهران، هو السيد بدرالدين الحوثي وابنه حسين وهم من آل البيت السادة من صعدة. وكان السيد بدرالدين فقيها زيدياً وقاضياً مقرباً من الأئمة من آل حميد الدين وقد رافقهم إلى الرياض حيث كان منفاهم وقيادتهم للملكيين في حربهم ضد الجمهوريين. قام السيد بدرالدين بتولي تعليم أولاد الإمام محمد البدر في المنفى السعودي. كان الزيديون حلاً وسطاً بين السنة والشيعة منذ الإمام زيد بن علي زين العابدين (79-122 هجرية) الذي قال بالاعتراف بـ«إمامة المفضول: أبوبكر وعمر» مع وجود «الأفضل: علي». وقد اتجه الكثير من الزيدية الذين سادوا شمال صنعاء منذ عام 900 ميلادية من خلال دولتهم في صعدة نحو وسطية مذهبية أصبحت حدودها رقيقة عن المذهب السني منذ ابن الوزير اليمني (ت 1436 ميلادية) الذي تأثر كثيراً بآراء ابن تيمية حول اسلام عام يتجاوز مذهبية المذاهب السنية الأربعة. ونصبت «حركة الأحرار» اليمنية عام 1948 أحد أحفاده إماماً على اليمن بعد الانقلاب ومقتل الإمام يحيى حميد الدين بدعم من حسن البنا زعيم الاخوان المسلمين قبل أن يقوم أحمد ابن الإمام يحيى باسترداد دموي للسلطة في صنعاء يوم 14 آذار 1948 بدعم من الملك عبد العزيز آل سعود بعد أربعة أسابيع من مقتل
أبيه.
كان السيد بدرالدين الحوثي منذ أوائل التسعينيات قد بدأ بالابتعاد من الوسطية الزيدية متجهاً نحو تعاليم أحد تلاميذ ثم مخالفي الإمام زيد، وهو (أبو جارود)، الذي قال بأن «الصحابة قد كفروا لما لم يبايعوا علياً كخليفة». كان ذهابه إلى طهران اعلاناً عن نشوء «تشيع زيدي» عبرت عنه لاحقاً «الحركة الحوثية» بزعامة ابنيه: حسين، ثم، بعد مقتله في حرب 2004 الحوثية الأولى ضد حكم الرئيس عبدالله صالح، عبد الملك. ربما كان دخول الشوافعة السنة، وهم سكان الجنوب اليمني في تركيب دولة اليمن الموحد وبالتالي جعل اليمن ذا أكثرية سنية بخلاف اليمن الشمالي الذي كان مناصفة بين الزيدية «شمال صنعاء» والشوافعة «تعز وساحل الحديدة».
وقد جعل السيد بدرالدين في اجراء دفاعي فكري- سياسي يستعين بالنزعة الجارودية لاعطاء الزيدية هوية جديدة بعدما ذابت الوسطية الزيدية في التسنن وبعد أن أصبح الكثير من الزيدية زعماء وقادة لـ«التجمع اليمني للاصلاح»، وهو التنظيم الاخواني المحلي، ومنهم آل الأحمر زعماء قبائل حاشد. بالتأكيد ساهم في ذلك أيضاً زحف السلفية حتى صعدة بدعم من الرياض التي أمام طهران الخمينية والخامنئية لم تعد تفكر سوى بالاستعانة بذخيرتها العقائدية السلفية الوهابية وبالأصولية الإخوانية، وكان انقضى بالنسبة لها الزمن الذي تحالفت فيه مع الزيدية ضد حسن البنا عام 1948 في أول تهديد انقلابي لنظام ملكي عربي وضد عبد الناصر في الحرب الأهلية اليمنية (1962-1970) أو لما قام الملك فيصل بن عبد العزيز بإنشاء «الحلف الاسلامي» عام 1968 ضد عبد الناصر والقومية العربية بالتشارك مع الشيعي محمد رضا بهلوي، شاه ايران، ومع الرئيس الباكستاني أيوب خان الذي كان أكثر مقربيه أبو الأعلى المودوي، ملهم سيد قطب في «فكرة الحاكمية». لم يجد الحوثي في عزلته بالنصف الأول من التسعينيات أمام عبدالله صالح المدعوم أميركياً وماركسيي الجنوب السابقين وإخوان التجمع اليمني للاصلاح، المدعومين من الرياض، من سند سوى طهران. ساهم في نمو الحركة الحوثية احساس زيديي شمال صنعاء بالتهميش في يمن ما بعد اتفاقية جدة لعام 1970 وبأن ثمار المصالحة بين الملكيين والجمهوريين لم ينالوا منها شيئاً. وهو كان نفسه شعور شوافعة تعز والحديدة وجنوب صنعاء في يمن ما قبل 26 ايلول 1962، الشيء الذي جعلهم يلجأوون لليسار القومي العروبي في مواجهة الحكم الإمامي ويتخلون عن النزعة الأصولية الإخوانية التي تحالفوا معها عام 1948 بعد اتجاه الاخوان المسلمين عقب صدام 1954 مع عبد الناصر للتحالف مع الرياض الداعمة لآل حميد الدين في صنعاء.
دخل الحوثيون بين 2004 و2009 في ست حروب ضد صنعاء ولم يستطع الرئيس عبدالله صالح أن يهزمهم واضطر في النهاية للتساكن معهم. عندما ترك الرئيس عبدالله صالح الحكم قال العبارة التالية: «علمت اليمنيين فنون الحكم لثلاثة وثلاثين عاماً، وسأعلمهم في المستقبل فنون المعارضة». كانت حصيلة التسوية اليمنية حكماً مسنوداَ من «التجمع اليمني للاصلاح» يقوده الرئيس منصور هادي بالتعاون مع عسكريين انشقوا عن الرئيس صالح في صيف 2011 مثل اللواء محسن الأحمر. كانت واشنطن والدوحة وراء هذه التركيبة عام 2012، وعندما شعرت الرياض مع صعود «الاخوان» للسلطة في القاهرة وتونس، وللمشاركة فيها في طرابلس الغرب وصنعاء ولتزعم المعارضة السورية، بالخطر الاخواني ودخلت في حرب مكشوفة ضده في القاهرة وعواصم أخرى، كان تحالف عبدالملك الحوثي- علي عبدالله صالح جاهزاً لاستغلال الشقوق السعودية- الاخوانية واسقاط صنعاء بين يومي 21 ايلول 2014 و6 شباط 2015.
كانت طهران الرابح الأكبر مما جرى في يمن خريف 2014 وشتاء 2015 وربما كانت «ضربة صنعاء رداً بعد ثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً على ضربة الموصل» من قبل الايرانيين. هناك الكثير من المؤشرات على أن ما جرى في صنعاء، وهي بالنسبة للرياض ما هي بيروت بالنسبة لدمشق أو كييف بالنسبة لموسكو، ستدفع رياض الملك سلمان بن عبد العزيز للاتجاه نحو تشكيل (تحالف سني عريض) يضم الرياض وأنقرة والدوحة وتنظيم «الاخوان المسلمين» مع الأكراد الذين يطمح أردوغان من خلال مصالحته القريبة مع أوجلان ومن خلال تبعية أربيل الاقتصادية لأنقرة لوضعم تحت الخيمة التركية فيما تجهد السعودية لضم مصر لهذا التحالف الموجه أساساً ضد التمدد الايراني.
تشعر الرياض الآن بأن الصدام السعودي – الاخواني لم تستفد منه سوى طهران في اليمن وغيره. ربما واشنطن لن تمانع في تشكيل هذا التحالف للضغط على ايران ولتحجيمها سواء تم عقد الصفقة النووية الأميركية - الايرانية أم لم تعقد.
في صراع الأحباش، بدعم من بيزنطة، مع الفرس على اليمن بين عامي 525 و570 ميلادية، أغلقت طرق التجارة البحرية بين الهند ومصر. صعدت مكة لتكون وسيطاً تجارياً. في عام الفيل، ولد محمد بن عبدالله عام 570 ميلادية. الحميريون ملوك اليمن المعادون للحبشة وبيزنطة اعتنقوا اليهودية وتحالفوا مع الفرس وقاموا بمذابح ضد مسيحيي نجران. كان صعود الاسلام الذي دانت له اليمن عام 630 مرتبطاً بالصراع الفارسي- البيزنطي الذي كان بالوكالة مع الأحباش ضد الفرس ويأخذ شكل صراع يهودي- مسيحي. كان انسداد باب المندب رافعة لصعود مكة إلى العاصمة التجارية للمنطقة.
في اليمن تصنع الجغرافيا التاريخ، وفيه أيضاً تتداخل البنية معهما في صنع السياسة.
* كاتب سوري