صنعاء | عندما كانت أروى عبده عثمان (1967) طالبة في كلية الآداب في «جامعة صنعاء»، لم تكن مرتاحة للتشابه بين اسم والدها واسم شخصية ثقافية وسياسية يمنية شهيرة هو عبده علي عثمان. في إطار الجامعة، كان الجميع يتقدّم لعرض خدماته على الطالبة أروى من أجل عيني والدها المُفترض. كان هذا الوضع يدفعها إلى الضيق، في وقت كان اسمها الشخصي قد صار له موضع قدم في الصحافة المحليّة، فكتبت مقالاً شرحت فيه أن لا علاقة تجمعها بـ»عثمان» الشهير، وحقيقة افتخارها بأن تكون ابنة لـ»عثمان» بسيط يقيم في القرية ويمتلك حانوتاً لبيع البضائع. لكن اليوم، لم تكن أروى مرتاحة بعدما عُيّنت وزيرة للثقافة في اليمن لفترة قبل أن تستقيل في كانون الثاني (يناير). إذ وجدت نفسها داخل أزمة تعصف بالبلد وعراك سياسي لا يعنيها. عندما ظهر اسمها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لتكون أول وزيرة ثقافة في حكومة بلادها، طلعت فوراً أصوات متشددة من جهة جماعة الحوثي ذهبت إلى إطلاق تسمية «حكومة الرقص» عليها. لقد اعتمدوا في هذه التسمية على مجموعة صور أخرجوها من أرشيفهم تُظهر عثمان وهي ترقص مع مجموعة من شباب اليسار اليمني في ساحة مقابلة لمبنى حزبهم الاشتراكي. كان هدف تلك الأصوات إرغام الحوثيين على رفض إمرار حكومة «ظهر أن بعض أعضائها يقومون بأفعال منافية لتقاليد المجتمع اليمني المحافظ» وفق ما نشرته صحف تابعة لهم، وتصدّرت صورة أروى صفحاتها.
لم تنتبه تلك الأصوات وهي ترفع نبرتها الرافضة لـ«بنت عثمان» (كما يُطلق عليها) إلى أنه حتى سنوات قريبة كان الرقص الشعبي المُختلط جزءاً من مكونات الموروث الشعبي اليمني، وقد عملت أروى على توثيقه خلال سنوات اشتغالها البحثي في «بيت الموروث الشعبي» الذي كانت ترأسه منذ 2004.

صارت أول وزيرة للثقافة في اليمن قبل أن تستقيل في يناير

لم تنحسر ملامح ذلك الموروث إلا في الأعوام التي تلت عودة التيّارات السلفية والوهابية من السعودية إثر اجتياح الجيش العراقي للكويت، ما أدى إلى طرد ملايين اليمنيين من دول الخليج بسبب الموقف اليمني الرسمي وقتها وانحيازه لجهة صدام حسين.
وعليه، يظهر أن الوزيرة الجديدة لم تكن تفعل أي فضيحة وهي ترقص في مكان عام وفي مناسبة وطنية صادفت عيد الثورة اليمنية (26 سبمتبر 1962). لكن مع ذلك، سمح الحوثيون لهذه الحكومة بأن تمر وصارت أروى عثمان أول وزيرة للثقافة في بلادها. اللافت أن قرار تعيين عثمان وزيرة للثقافة جاء وهي في برلين لتسلّم جائزة منظمة «هيومن رايتس ووتش». وفي احتفال تسلُّم الجائزة، قالت أروى «هذه ليست جائزتي وحدي، هذه جائزتنا و.. لكل إنسان لا يركن إلى قوته العضلية والرصاص، بل بالقلم والمعرفة والانتصار لحق الحياة. سأظلّ أقف مع الإنسان، مع التنوع والتعدد والاختلاف وحرية الأديان والمعتقد والضمير والقلم، والموسيقى، والغناء والرقص».
لكن مع بداية أيام هذه السيّدة على كرسي وزارة الثقافة، ظهر أنها على موعد مع مواجهة أخرى تتمثل في بقايا نظام علي عبدالله صالح الذين دخلوا في سياق خطة عمل تحت إدارة زعيمهم لعرقلة سير الحكومة الناشئة، ولتكن الضربة عبر أضعف حلقاتها (المرأة). ظهرت عثمان كنقطة هشة يمكنهم الضرب عليها ولن تفعل مقاومة من جهتها. هكذا، أُغلق باب الوزارة في وجهها ومُنعت من دخول مكتبها بقوة السلاح في واقعة هي الأولى في تاريخ الحكومات اليمنية. كل هذا دفعها إلى ممارسة عملها من مكان يقع خارج مبنى الثقافة. ومن هناك أصدرت قرارات هدفت إلى إعادة هيكلة خريطة هذه الوزارة وإعادة بعض الأمور إلى وضعها الطبيعي. ظهر لها أن الشخص الذي يمسك برأس قطاع الآثار على أهميته بالنسبة إلى بلد قديم كاليمن وما يمتلكه من مخزون تراثي، هو متخرّج علوم بيطرية! وأصدرت عثمان مرسوماً يمنع خروج أموال من خزانة الوزارة لغير العمل الثقافي، وهو ما كان يحصل في السابق، بحيث تحوّلت الوزارة إلى ما يشبه جمعية خيرية تصب أموالها في جيب أهل السياسة ومن لهم علاقة بأركان النظام السابق. كل هذا عمل على تكثيف قواعد الهجوم على الوزيرة «الحُرمة» بحسب عادة إطلاق الأسماء على أي أنثى يمنيّة حتى لو كانت تجلس على أرفع منصب ثقافي في البلد. لم يكن لكل هذا العذاب اليومي أن ينتهي في حياة الوزيرة لولا إعلان الحكومة استقالتها مطلع كانون الثاني (يناير) الفائت إثر استقالة رئيس الجمهورية نفسه وعودته عن استقالته لاحقاً بعد هروبه إلى عدن. كل هذا عمل على خَلق حالة معقدة قسمت الحكومة ليظهر أعضاؤها منقسمين بين الرئيس في عدن وجماعة الحوثي في صنعاء. لكن أروى عثمان الأم لثلاث بنات، فضّلت البقاء في بيتها استعداداً للعودة إلى شغلها الأصلي في «مركز الدراسات والبحوث» الذي يرأسه الشاعر عبد العزيز المقالح في صنعاء.