من دون ان يكونا بلغا اتفاقا على مصير انتخابات رئاسة الجمهورية، الا ان ايا منهما لا يريد قطع الحوار مع الآخر، ارتأى التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية الانتقال الى فصل جديد في تواصلهما هو قانون الانتخاب. اذ يريانه ــــ الى انتخاب الرئيس ــــ المدخل الفعلي لبناء سلطة متوازنة متكافئة في مجلس النواب، ومن ثم في الحكومة، تضمن المشاركة الحقة في الحكم.بالتأكيد لم يقل سمير جعجع حتى الآن انه يدعم انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية. وقد لا يكون في صدد قولها قريباً، او قولها في اي حال حتى. لكن المؤكد ايضا ان عون لا يوحي باستعجاله سماعها كأنه يغالب الزمن والعمر بالالحاح عليها، او الذهاب قريباً الى مجلس النواب للاقتراع لرئيس لن يكون هو.

وقد يكون موقفاهما المتناقضان المبرر المباشر لعدم توقع لقائهما في وقت قريب، او الاعلان عن «ورقة النيّات» وتوقيعها وكشف مضمونها.
بات الرجلان يتصرّفان كأن ما يعنيهما، اولاً واخيراً، حوارهما فحسب كانجاز في ذاته، لا الاستحقاق الرئاسي الذي قادهما اليه، وان الملفات المفتوحة بينهما تتطلب مزيدا من الوقت. بل بدا من السهولة بمكان تفاهمهما في وقت قياسي على «ورقة نيّات»، لم يكن مضمونها مرة مصدر تناحرهما وخوضهما الحروب العسكرية والامنية كما عامي 1989 و1990 والسياسية كما في العقد المنصرم. مذ ذاك لم يتوقف صراعهما على السلطة والزعامة المارونية التي يقفان الآن معا، جنبا الى جنب، على رقعتها. يتقاسمان مساحة لم يعد جلدها وثيرا كحقب الاربعينات والخمسينات والستينات. اصغر واضيق واقل مناعة.
شأن استمرار خلافهما على اسم الرئيس، اختبر عون وجعجع الخلاف العميق في تجربة قانون الانتخاب قبل التمديد الاول لمجلس النواب في ايار 2013، عندما باشرا وشركاؤهما المسيحيون الآخرون حوارا ــــ تحت مظلة بكركي اولا ثم في البرلمان ــــ حول اقتراح اللقاء الارثوذكسي. سرعان ما تخلى عنه جعجع، وذهب بعد التمديد الثاني للمجلس في تشرين الثاني 2014 الى صيغة رفضها عون هي اقتراح القانون المختلط. وقتذاك عاد كل منهما الى ما وراء الانقسام بين قوى 8 و14 آذار. في الحوار الدائر اخيراً بينهما، بتقطع لثلاثة اشهر خلت، تجاوزا التكتلين الحليفين وعزما على التفكير كفريق مسيحي محوط بتهديدات شتى وبقلق على الكيان والدور والمصير بازاء عاصفة الفوضى التي تضرب المنطقة. ما يقوله عون عن قانون الانتخاب ويتطلبه منه ايا تكن صيغته، ويوحي الحوار بأن جعجع يجاريه فيه، هو اختيار الناخبين المسيحيين نوابهم جميعا بلا استثناء.

يتصرّف عون وجعجع
كأن ما يعنيهما هو
الحوار في ذاته


تبعا لموقفه من الاستحقاق الرئاسي، والاصرار في المقابل على المضي في حواره مع القوات اللبنانية، يقارب عون المرحلة القريبة تبعا لمعطيات ابرزها:
1 ــــ انه يلعب كل الاوراق السياسية المتاحة بين يديه، ويتصرّف على ان من حقه ان يفعل ذلك ما دام الوحيد بين الافرقاء، القادر على التحاور مع الاطراف جميعاً في قوى 14 آذار كما في قوى 8 آذار. قادر ايضا على خلط الاوراق، ويجد في تعاونه مع تيار المستقبل منذ تسهيلهما تأليف حكومة الرئيس تمام سلام وعملها في ما بعد ما يوفر احد افضل مقومات الاستقرار الداخلي.
2 ــــ تكاد تكون الجمهورية في نظره مثقوبة في كل جانب: نظامها وممارسة السلطة والحكم والمناصفة، تعذر انتخاب الرئيس، الحؤول دون تأليف حكومة جديدة ما لم تهبط اعجوبة، استحالة اجراء انتخابات نيابية عامة، اخفاق افرقائها في الاتفاق على قانون جديد للانتخاب، لا تعيينات في الادارة بلا اثمان ومقايضات، لا موازنة عامة للدولة لعقد كامل انقضى، لا نفط ولا كهرباء. يقول: رغم الوزراء الـ10 لتكتل التغيير والاصلاح في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لم يتمكن وزير الطاقة من انجاز خطته للكهرباء.
3 ــــ لا يكتفي بتأكيد تمسكه بانتخاب رئيس قوي ينبثق من بيئته القوية، بل يرفض تجيير كل تفويض اعطي اياه في انتخابات 2005 ثم في انتخابات 2009 الى اي آخر كي يحل في الرئاسة. بالتأكيد يعرف عون من دون ان يفصح، مقدار ما يعرف الرئيس ميشال سليمان، ان عدم موافقته على انتخاب القائد السابق للجيش رئيسا لم يكن ليتيح اقتراع حزب الله لسليمان في اي حال. يعرف عون والحزب ايضا، وهو ما يقولانه في السر والعلن، انهما لن يكررا غلطتهما الجسيمة عام 2008. بل يذهب عون الى مجازفة ابعد في القول: ايا يكن موقف الخارج لن يمشي في رئيس على صورة ما حدث عام 2008. بل لن ينتظر الخارج.
4 ـ اولى فوائد الحوار الماروني ــــ الماروني، اعتقاد عون انه اجتذب جعجع الى ملعبه بمناداته هو الآخر، في «ورقة النيات» في الظاهر على الاقل، برئيس قوي يمثل بيئته الشعبية القوية. ما يعني بالنسبة الى رئيس تكتل التغيير والاصلاح تخلي محاوره سلفا عن فكرة المرشح التوافقي او الثالث. ما يصح على عون في الورقة، يطابق مواصفات جعجع ايضا. الا ان البارز ايضا في تفاهمهما الاخير ــــ وهو لما يزال تفاهما على الورق ليس الا ــــ تأكيد جعجع بعبارة اضافها الى مسودة الورقة هي ان على الرئيس «ان يمثل العيش المشترك». لا تعني هذه العبارة في تفسير عون سوى تزكيته هو. لا احد سواه بين المرشحين الموارنة المعلنين يصح فيه هذا الوصف.