بعد فرن الشباك والشياح والجديدة والزلقا والضبية، وصل الدور أخيراً إلى سوقي أنطلياس وجل الديب التجاريين في ساحل المتن الشمالي. فمن يمر بطريق أنطلياس الداخلية يلاحظ الملامح الأولية لحوت باطونيّ جديد، ويكتشف من أعمال التحفير في وسط الطريق وعلى جانبيه أن الأذى الذي تلحقه جاذبية المجمع التجاري بهذه الأسواق الصغيرة ما عاد يكفي كبار المستثمرين: لا بدّ من تضييق الخناق أكثر فأكثر على دكاكين أهالي المنطقة، سواء بحرمانهم المواقف أو بتوزيع رخص «كيوسكات» حديثة تبيع ما يبيعونه.
بعد غضّ نظر بلدية أنطلياس لسنوات عن مخالفات مطعم السنيور، آثر رئيس البلدية إيلي أبو جودة الاستمرار بالوقوف إلى جانب صديقه صاحب المطعم، بعد قراره تأسيس مجمّع تجاري.
بداية، قرار أبو جودة تجميل الطريق الداخلي لتليق قليلاً بالضيف الجديد وزواره، عبر استحداث عدة أرصفة وزرع أشجار على جانبي الطريق وغيره من الخطوات التي تبدو للوهلة الأولى تقدمية جداً. إلا أن مرافقة الأعمال من ساحة جل الديب باتجاه ساحة أنطلياس يكشف، بعيداً عن طبيعة المناقصات وأرباح المتعهدين من تحفير هذه الطريق وتزفيتها مرتين سنوياً، عن مجموعة فضائح: تارة يبلغ ارتفاع الرصيف نصف متر، بحيث يستحيل على زبائن المتاجر ركن السيارات فوقه، وطوراً يبلغ ارتفاعه بضعة سنتمرات فقط، بحيث يتمكن زبائن المتاجر من ركن سياراتهم. علاقة أصحاب المتاجر برئيس المجلس البلدي تحدد ارتفاع الرصيف. يمكنهم مراجعة النائب ميشال المر – مرجعية رئيس المجلس البلدي – في حال شعورهم بالغبن. تارة يبلغ عرض الرصيف أكثر من سبعة أمتار، وطوراً لا يتجاوز عرضه خمسين سنتمتراً. وبناءً عليه، سيصادف المتجول على الرصيف عدة مصائب: مرة سيحتاج إلى سلم لتسلق الرصيف، ومرة سيكون الرصيف أضيق من أن يسعه فينزل إلى الشارع. أما زبائن المتاجر، فيحرَمون إمكانية التوقف على جانبي الطريق دون تأمين مواقف عمومية بديلة. ليس عليهم سوى ركن سياراتهم في المواقف الخاصة بالمجمع التجاري والتسوق في أرجائه. مع العلم أن المخطط الاستثنائي لهذه الأرصفة يلحظ تأمين مساحة لـ»الكيوسكات» كل ثلاثين أو أربعين متراً، دون تأمين مواقف لمن سيشترون منها، ما سيضطرهم إلى التوقف في وسط الطريق.

لم تمتثل بلدية أنطلياس لطلبات وزارة الأشغال بإيقاف الأشغال فوراً


يفترض بمطعم «ماكدونالد» وجيرانه مثلاً إخلاء المتاجر الحالية التي تعتاش من إيجارها عدة عائلات، للانتقال سريعاً إلى المول: مخطط رئيس البلدية استبدل مواقفهم برصيف عالٍ تجاوز عرضه ستة أمتار بعد ضم فضلة عقارهم، الذي تتوقف السيارات فيه عادة، إلى رصيف البلدية. وفي مثل آخر، تتجاور بنايتان، تخص متاجر الأولى النائب ميشال المر، فينخفض ارتفاع الرصيف قبالتها ويدمج بفضلة هذه البناية العقارية ليتحولا إلى موقف للسيارات، فيما يرتفع الرصيف قبالة البناية الملاصقة لها، بحيث يخسر أصحاب المتاجر الفضلة العقارية ومواقف السيارات لمصلحة «المخطط التجميلي».
ولم تستثن مسرحية أبو جودة أصحاب الاحتياجات الخاصة، فمخطط الأرصفة شمل هؤلاء بحنانه: استُحدث للكرسي المدولب ممر خاص إلى أحد الأرصفة قبالة إحدى الصيدليات. لكن المقعد الذي سيستخدم هذا الممر سيجد نفسه محاصراً بدرج من جهة وبرصيف مرتفع من الجهات أخرى، فيجد أن ما من وسيلة أمامه سوى العودة من حيث جاء. واللافت أن الحاجة إلى الأرصفة تنتهي تماماً عند بلوغ الطريق الداخلية الحي المعروف بولائه المطلق للنائب ميشال المر، وبالتالي رئيس المجلس البلدي. كأن حاجة المواطنين للرصيف، الضيق والواسع والطويل والمنخفض، تتفاقم في حي وتنتفي في آخر.
ومن الأرصفة إلى الفاصل الباطوني بين طريقي الإياب والذهاب: لا أحد يعلم على أي أساس جرى تقطيع الفاصل. ما يلاحظه المواطنون أن المتاجر التي تخص رئيس المجلس البلدي تحظى بمخرج، أما من «ليس لديه أحد» فيتعين بزبائنه التوجه إلى نهاية السوق رغم الزحمة للاستدارة والعودة إليه. وحرصاً منه على الأبعاد الجمالية للطريق، اقتطع مساحات واسعة من الطريق الضيقة أساساً عند مخارج الأوتوستراد لتشجير محيط المول: هكذا يتنعم العالقون بزحمة السير برؤية الأشجار.
في 3 آذار راسل المدير الإقليمي للأشغال في جبل لبنان المهندس طانيوس بولس، رئيس بلدية أنطلياس ليذكره بالأصول القانونية والفنية التي يجب على بلدية أنطلياس اتباعها إن أرادت الإسهام مع الوزارة بإنجاز أشغال ذات منفعة عامة على الطرق التي هي بعهدة وزارة الأشغال العامة والنقل. قال الكتاب ما مفاده أن العمل بهذه الطرقات من اختصاص وزارة الأشغال، ويفترض بالبلدية «تقديم طلب مساهمة بتنفيذ أشغال مرفق بالخرائط الفنية والدراسة المعتمدة لأخذ موافقة المديرية العامة للطرق والمباني». وطالبت وزارة الأشغال بإيقاف العمل إلى حين تقديم خرائط المشروع والدراسة المعتمدة حسب الأصول وأخذ موافقة المرجع المختص في الإدارة. إلا أن رئيس المجلس البلدي لم يبال. طلب أبو جودة من المتعهد مضاعفة جهوده لإنجاز العمل بأسرع وقت ممكن دون أخذ الموافقة المطلوبة.
وبناءً عليه، كررت وزارة الأشغال مراسلة بلدية أنطلياس – النقاش هذه المرة، لا الاكتفاء بمراسلة رئيس البلدية، لتطالب للمرة الثانية بإيقاف الأشغال فوراً. أدارت البلدية الأذن الطرشاء، فتوجه مدير الطرق في وزارة الأشغال المهندس حاتم العيسمي إلى محافظ جبل لبنان هذه المرة يطالبه بوقف الأشغال فوراً تحت طائلة تحميل بلدية أنطلياس مسؤولية كل الأضرار التي ستنتج من جراء تلك الأشغال على الأملاك العامة والخاصة جراء سوء التنفيذ، سابقاً وحالياً ومستقبلاً، فما كان من رئيس المجلس البلدي إلا أن ضاعف عدد ساعات العمل في الورشة الإنمائية ليغدو 24 على 24.
في النتيجة، سيحتفل إيلي أبو جودة بقص شريط افتتاح الرصيف الذي لم تعلن تكلفته بعد وفائدته، قبيل قصه شريط افتتاح المول الذي لم يعرف بعد حجم حصة أبو جودة فيه، وسيوفر لكل المستائين فرص عمل كبائعين في متاجر المول أو كعناصر أمن في مواقفه، وسيكرم لحرصه على استحداث أرصفة وتشجير طرقات بلدته. والمؤسف هنا هو عدم وجود نائب أو محافظ أو عضو في المجلس البلدي أو مختار أو متضرر واحد أقله يرفع صوته مطالباً بإيقاف هذه المهزلة.

■ للاطلاع على كتاب مدير الطرق أنقر هنا

■ للاطلاع على كتاب المدير الاقليمي للاشغال في جبل لبنان أنقر هنا