منذ احالته على الامانة العامة لمجلس الوزراء في 30 كانون الاول الماضي، لا يزال مشروع قانون نظام سن التقاعد في الخدمة العسكرية في القوى المسلحة يراوح مكانه. لم يُدرج مذ ذاك في جدول اعمال جلسة لمجلس الوزراء، ولم يسترده واضعوه في قيادة الجيش، ولا بدا ان ثمة استعجالا للخوض فيه في وقت قريب. الى الآن، اكتفي باجراء روتيني اداري يصيب في الغالب مشاريع القوانين، باحالتها على وزارة المال لابداء الرأي في تلك التي تنطوي على نفقات مالية، والتحقق من موافقة الوزارة على التعويضات الجديدة وتوافر الاعتمادات اللازمة لها. قبل شهر ارسل مشروع قانون سن التقاعد الى وزارة المال، ولا تزال دوائر السرايا الحكومية تنتظر رجوعه منها.
ورغم ان لا ترابط مباشرا بينه وبين تأجيل تسريح ضباط كبار في المجلس العسكري والجيش وقوى الامن الداخلي، يستمر الجدل السياسي المحوط بمشروع رفع سن التقاعد وتمسك قيادة الجيش بعدم عجلة مناقشته واقراره، خصوصا ان صيغته النهائية لزمت ادراج وزير الدفاع ثمانية اشهر قبل احالته على الامانة العامة لمجلس الوزراء.
في جانب من الشكوك المرافقة لموقف القيادة في ابطاء حماستها لمشروع هي التي اعدته، انتظار استكمال حلقات تأجيل تسريح الضباط الكبار بغية الفصل بين آليتين قانونيتين مختلفتين تماما، الا انهما تبدوان في الظاهر على الاقل مترابطتين سياسيا. بل الاصح ان ثمة مَن يريد ترابطهما من دون ان تكونا كذلك: يحتاج مشروع القانون الى تصويتي مجلسي الوزراء والنواب قبل اصداره ونفاذه، بينما يقتصر تأجيل التسريح على قرار وزير الدفاع فحسب بناء على اقتراح قائد الجيش.

بري مع تعميم
السن وسلام متحمس وعون اكثر مرونة


تبعا لذلك يقتضي بالعماد جان قهوجي للمرة الثالثة على التوالي، عملا بالمادة 55 من قانون الدفاع، بعد تأجيل تسريح مدير المخابرات العميد ادمون فاضل قبل ايام، ان يقترح تأجيل تسريح رئيس الاركان اللواء وليد سلمان قبل آب المقبل، وان يقترح بالذات لنفسه تأجيل تسريحه من الخدمة قبل ايلول المقبل. وسواء اقر مشروع القانون قبل ذلك الموعد ام لا، فان استمرار قهوجي في منصبه بعد بلوغه السن القانونية للتقاعد يُعوّل على قرار وزير الدفاع. وقد لا تكون هذه حاله مع صدور قانون رفع سن التقاعد. ما ان يُنتخب رئيس للجمهورية يصبح تعيين قائد جديد للجيش قرارا حتميا.
الى الآن، لا اشارات ايجابية الى احتمال اخراج مشروع القانون من جموده حيث هو، ولا تبني عشرة نواب له كاقتراح قانون يدرج في العقد العادي الحالي لمجلس النواب، بينما يقول رئيس المجلس نبيه بري ان مشروع القانون مسؤولية مجلس الوزراء اولا، تنتقل الى البرلمان فور اقراره هناك. واذ يبدي تأييده له، يشترط بري عدم اتسام المشروع بطابع التمييز او اقتصاره على فئة دون سواها من الضباط، وتحديدا اعضاء المجلس العسكري وقادة الاجهزة الامنية، بل يشمل العسكريين جميعا من الفرد الى الضابط الاعلى رتبة، بغية مساواتهم في حق رفع سن التقاعد.
بدوره رئيس الحكومة تمام سلام يدعم المشروع، ويفضل توفير اوسع غطاء سياسي له في مجلس الوزراء قبل ادراجه في جدول الاعمال سعيا الى تسهيل اقراره. بل الواضح ان المشروع يحظى بتأييد الافرقاء جميعاً تقريبا، كونهم يستفيدون من شمول احكام رفع سن التقاعد العسكريين بلا استثناء، بمن فيهم اولئك الذين ينتدبونهم في الكوتا الموزعة في اكثر من اتجاه على الاسلاك العسكرية والامنية.
على ان العقبة السياسية الرئيسية التي تجبه المشروع هي الرئيس ميشال عون. في الاشهر المنصرمة اتخذ منه موقفا معارضا، رغم انقسام الرأي آنذاك بين قائل بقصر المشروع على الضباط الذي يحملون رتبة لواء وما فوق (اعضاء المجلس العسكري وقادة الاجهزة العسكرية) وبين تعميمه على الضباط والرتباء والافراد بلا استثناء. الا ان الصيغة المطروحة للمشروع ظلت اكثر تعميما.
في الآونة الاخيرة بدا رئيس تكتل التغيير والاصلاح اكثر مرونة وميلا الى الموافقة عليه، وهو يخوض وحده معركة معارضة تمديد خدمة قهوجي في قيادة الجيش، كانت بدأت ابان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2013 واخفق آنذاك في حمل حزب الله ــــ وكان انخرط لتوه علنا في الحرب السورية واضحى في حاجة الى الجيش ظهيرا له في الداخل ــــ على فرض تعيين قائد جديد. اقترنت مناوأة عون تأجيل تسريح قهوجي بالاصرار على انتخاب قائد جديد في حكومتي ميقاتي وسلام، يرشح له العميد شامل روكز. الا ان اقتراب قائد فوج المغاوير من احالته على التقاعد في تشرين الاول المقبل بات عاملا مقررا في ابداء عون ليونة بازاء الموافقة على المشروع، ما يتيح استمرار صهره في الجيش ثلاث سنوات جديدة، هي المدة التي يقترحها المشروع في رفع سن التقاعد، وتالياً مرشحا محتملا للقيادة في مرحلة ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية.