جلسات أمس استهلت بعرض فريق الادعاء شريط فيديو للرئيس رفيق الحريري في دبي بحضور الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت. في تعليقه، قال الرئيس فؤاد السنيورة إن علاقة الرجلين «توثقت عبر ثلاثة لقاءات بينهما»، مشيراً إلى أن الحريري كان لديه القدرة على التواصل مع رئيس أي دولة.
استعاد السنيورة آخر لقاء مع الحريري. «كان متجهّماً وممتعضاً جداً من القضية التي أثيرت حول توزيع الزيت»، قال السنيورة الذي نقل عن الحريري اطمئنانه إلى أنه «لن يتعرض لاغتيال لتنبه البعض لعواقب اغتياله فلا يقدم على مثل هذا الأمر». في اللقاء، حضر مرافقه يحيى العرب الذي قال إنه التقى باللواء رستم غزالة وسلمه «الغرض». فما هو الغرض؟ «استنتاجي أنه مبلغ من المال، وكنت أسمع أن هناك مساعدات كانت تعطى لغزالة بين حين وآخر». والهدف من الرشوة «محاولة الحريري اتّقاء العسف الذي يمارسه النظام الأمني السوري، وليس لدي على الإطلاق أي معلومة عن المبالغ التي كان يتقاضاها غزالة»، فيما نفى بشدة، في مكان آخر أن يكون على علم بدفع مبالغ الى غازي كنعان.
الذاكرة التي خانت السنيورة في ما يتعلق بتجربته في الحكم والملفات المرتبطة بعمله، اتقدت بشكل كامل عند استعادته ما أسرّ له به الحريري خلال وجودهما في السيارة في فترة بين أواخر عام 2003 ومطلع عام 2004. حرفياً نقل السنيورة عن الحريري: «التفت إليّ وقال: تعرف يا فؤاد صرنا مكتشفين كذا محاولة لاغتيالي من حزب الله. كان ذلك مفاجئاً جداً لي، وساد بعدها صمت ثقيل لم يعقب على ذلك ولم أسأله أي سؤال عن ذلك». يبدو أن السنيورة استمر في الصمت مفضّلاً عدم التعقيب وحافظاً للسر إلى ما بعد عشر سنوات من اغتيال صديقه. ونقل أيضاً عنه قوله بعد كل زيارة الى الخارج «الله يسترنا عندما نعود الى بيروت».
في ردّه على استفسارات الممثل القانوني للمتضررين، لفت السنيورة إلى أنه لحظة الجريمة «كنت في مكتبي في مبنى غير بعيد عن موقع الانفجار، وأصبت بالإغماء ثم ذهبت إلى منزل الحريري». ورأى أنه «جرى عبث بموقع الجريمة، وهذا أمر مثير للشكوك». أما عن إنشاء المحكمة الخاصة بالجريمة، فلفت السنيورة إلى أن الطلب «اتخذ في اجتماع قريطم بعد الجريمة ومن دون تدخل من أحد. فالأحداث التي كانت تلي الجريمة كانت تثبت صوابية إنشاء المحكمة الدولية، وجرت محاولات لاستبدال المحكمة الدولية بأخرى عربية، لكن المحاولات ولدت ميتة». عبّر عن انطباعه بأن الرئيس إميل لحود «لم يكن يبدو لي مرحّباً بتأسيس المحكمة، وكان يتهرب من عقد جلسة للحكومة لبحثها». وفق انطباعه أيضاً «الغالبية الساحقة من اللبنانيين كانت مع إنشاء المحكمة».
اضطربت ذاكرة السنيورة عند تلقّيه أسئلة محامي الدفاع عن المتهم حسن عنيسي الكندي الفرنسي لاروشيل عن تجربته في الحكم. استطرد أحياناً وشرد أحياناً أخرى، حتى ضيّع بوصلة الأجوبة، ما دفع رئيس غرفة الدرجة الأولى القاضي ديفيد راي إلى الطلب منه التركيز على الأسئلة بالتحديد.

السنيورة «لا يعلم» شيئاً عن بنك
المدينة أو ثروة الحريري الشخصية


القنبلة التي رماها السنيورة في جلسة قبل الظهر عطّلها ما أفاد به في جلسة بعد الظهر. عرض لقاءات عدة «مفيدة وبنّاءة» جمعت بين الحريري والسيد حسن نصرالله. تساءل لاروشيل عن التناقض. لكن السنيورة أكد أن الأمرين مختلفان، متمسّكاً بالروايتين.
«هل الانتخابات النيابية عام 1992 فاسدة ما دام النظام فاسداً كما تقول؟». أجاب السنيورة:» لا أدري ماذا تريد أن تقول؟». وعن تعليقه إن كان السوريون يحتلون لبنان، لفت السنيورة إلى أنهم «كانوا موجودين بموجب قرارات دولية، والموقف اللبناني كان ينص على أن وجودهم شرعي وضروري ومؤقت». أقرّ بأنه لم يكن ليصل إلى الحكم هو والحريري لو رفض النظام السوري، لكنه جزم بأن الظروف آنذاك «حتّمت مجيء شخصية فذة كالحريري، وأتى من خلال عملية ديموقراطية كاملة». رغم «الدعم السوري»، استعرض السنيورة محاولات قمع تعرضوا لها بين عامي 1992 و1998، منها ما تعرض له شخصياً من اقتحام وزارة المال إلى ما اتهم به بمحرقة برج حمود.
غاب ذهن السنيورة عن أحداث مفصلية ارتبطت مباشرة بمنصبه كوزير للمالية، حتى تساءل لاروشيل إن كان «لديه مشكلة في الذاكرة أم أن الأمور التي يسأل عنها لا تهمه؟». بابتسامة، أصرّ السنيورة على أنه لا يعلم أي شيء عن فضيحة بنك المدينة ولا عن فضيحة النفط مقابل الغذاء في العراق. عند سؤاله عن اعتقاده بأن الضباط الأربعة أرادوا قتل الحريري، ارتبك وصمت، قبل أن يجزم بأنه لا يعلم. أما بالنسبة إلى اعتقالهم «فهو قرار صادر عن القضاء والمحقق الدولي». الجهل انسحب على ثروة الحريري. حاول إقناع المحكمة بأنه لا يعلم كم هي ثروة صديقه. أنكر سماعه بالمعلومات التي أكدت زيادة ثروته خلال وجوده في الحكم بالتزامن مع ازدياد الدين العام. رجّح أن ثروة صديقه «نقصت بسبب ما يقدمه من تعليم للطلاب والجمعيات»، راداً كل ما حكي عن ثروته وفساده الى «مصنع الأخبار للنظام الأمني السوري اللبناني». عن شركة «سوليدير»، أقرّ السنيورة بوجود معارضين للشركة «من قبل بعض أصحاب الحقوق وأشخاص آخرين».
جلسة أمس انتهت مساءً ببدء وكيل المتهم حسن مرعي، المحامي جاد خليل، بعرض وثائق تتعلق بالعلاقات اللبنانية السورية. راي طلب من السنيورة أخذ نسخة منها للإطلاع عليها في الليل تمهيداً لسؤاله عنها في جلسة اليوم.





هل تذكرون العميل أحمد نصرالله؟

لمن نسي العميل أحمد نصرالله الذي اعتقلته المقاومة عام 1996 وأفرجت عنه السلطات اللبنانية في شباط 2000 ليفرّ إلى فلسطين المحتلة، جاء الرئيس فؤاد السنيورة ليذكّر به من لاهاي. نقل السنيورة، أمس، عن الرئيس رفيق الحريري أنه أبلغه "اكتشاف محاولات حزب الله لاغتياله". علماً أن العميل نصر الله قال في اعترافاته المسجلة إنه أوهم الفريق الأمني المحيط بالحريري، بتوجيه من جهاز الموساد الإسرائيلي، بأن الحزب يخطط لاغتياله.
في الفيديو الذي عرضه السيد حسن نصرالله في مؤتمر صحافي عرض فيه قرائن حول ضلوع إسرائيل في الجريمة، في التاسع من آب 2010، يقول العميل: "أعرف شاباً يعمل عند رفيق الحريري منذ عام 1988. في فترة مجزرة أيلول عام 1993، قلت له إن هناك وضعا غير جيد ويريدون قتل رفيق الحريري. وقلت له هناك واحد يمكننا الاستفادة منه بمعلومات اسمه محمد عفيف يعمل عند عماد مغنية ويعمل بطريقة أمنية وهناك محاولة اغتيال للحريري. هناك سيارة مفخخة (...) ورصد لتحركات الحريري من قبل مغنية (...) ومحاولة اغتيال بهية (الحريري) على أساس إن قتلوها يزور الرئيس الحريري صيدا وعلى الطريق يقتل. وكنت كلما ذهبت وعدت من الجنوب قلت له: شاهدت جماعة أبو حسن سلامة على الطريق. وبالنسبة للشاب محمد عفيف لا يوجد واحد اسمه محمد عفيف، هو من اختراعي أنا وبشكل أنه يعمل معي ومع عماد، وأنا اخترعته. عماد مغنية لا اعرفه ولا عمري رأيته لكن أسمع باسمه". وتعقيباً على الفيديو، قال السيد نصرالله: "كان هذا العميل يطلب من أمن الحريري أن يتجنب الذهاب في هذا الأوتوستراد لأن معلوماته أن حزب الله سيضع له كمينا أو سيارة مفخخة وعليه أن يذهب من الأوتوستراد الآخر. استطاع أن يتحكم لفترة من الزمن بحركة الموكب. ثم نقل عن لسان أبو حسن سلامة بأنه في الجلسة اقترح على الحاج عماد مغنية، وأبو حسن ابن صيدا، فاقتراحه صيداوي، أنه يمكننا أن نقوم بقتل السيدة بهية الحريري. هذه التلفيقة الكاملة التي قدمها عميل إسرائيلي لجهاز أمن الرئيس الحريري". إشارة إلى ان الحريري أوصل "المخطط" إلى اللواء غازي كنعان الذي أمر باعتقال أبو حسن سلامة الذي احتجز في عنجر ثم نقل إلى دمشق قبل أن يفرج عنه. بعد اعتقال العميل نصرالله، قدم السيد نسخة من الفيديو إلى كنعان. المقاومة سلمت العميل إلى الأجهزة الأمنية المعنية اللبنانية وسجن حتى عام 2000. في شباط، أي قبل التحرير، بثلاثة أشهر "أُفرج عنه لأسباب لا أعرفها وأجهلها وهرب بعد أيام قليلة إلى الشريط الحدودي ثم إلى فلسطين المحتلة وما زال، ولحقت به عائلته أو هرب مع عائلته وما زال موجوداً في فلسطين المحتلة ويقوم بتجنيد لبنانيين لمصلحة العدو". السنيورة أمس أحيا ذاكرة العميل نصرالله. هل كان من المحيطين بالحريري الذين صدّقوا أكاذيبه؟ وإن صدّق لسنوات، ألم يكن كافياً الفيديو الذي عرضه السيد ليبدّد الوهم؟