في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، هددّ أعضاء المجلس البلدي «المسيحيون» بتقديم استقالاتهم في حال إعادة فتح المسلخ بعد انتهاء مدة التأهيل. حينها، قال نائب رئيس البلدية نديم رزق، لـ»الأخبار» إن رفضهم إقامة المسلخ الحديث يعود إلى «الرؤية الخدماتية والسياحية والثقافية لتلك المنطقة» (http://www.al-akhbar.com/node/220346). منذ ذاك الحين حصلت أمور مريبة كثيرة، يمكن أن تندرج في إطار خطّة ممنهجة لتطهير هذه المنطقة المغرية جداً لأصحاب الرساميل.
يقول أحد أعضاء المجلس البلدي (رفض ذكر اسمه) في حديث مع «الأخبار»، إن البلدية بصدد القيام بمخطط توجيهي للمنطقة. أول «ملامح» هذا المخطط هو ما كشفته مصادر في البلدية عن مشروع يرمي إلى «نقل القصر البلدي من مبناه القديم في وسط بيروت إلى الكرنتينا». تؤكد المصادر نفسها أنه «جرى تكليف استشاريين للقيام بالدراسات اللازمة للمبنى المزمع إنشاؤه»، مضيفة أن المساحة المقدّرة التي سيشغلها المبنى تراوح بين 30 و40 ألف متر مربع.
عضو المجلس البلدي تحدث عن «مشروع إنشاء مبنى يجمع مختلف الدوائر التابعة لبلدية بيروت»، لافتاً إلى أنه «جرت مناقشة هذا البند خلال الجلسة الأخيرة للمجلس البلدي التي ترأسها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق». ويشير إلى أن المخطط التوجيهي لم ينته بعد.
الكثير من خطوات «التطهير» التي تقوم بها البلدية، توحي بالمباشرة في ترجمة هذا المخطط واقعاً. يؤكد عضو المجلس البلدي أن البلدية أقامت الكثير من الدعاوى على مستأجري الهنغارات المنتشرة في المنطقة بهدف إخلائها، فضلاً عن عزمها على تلزيم إنشاء حديقة في تلك المنطقة تكون «على غرار حديقة الصنايع». ولكن، هل يمكن «زرع» حديقة في محيط موبوء يحتضن معملاً لتخمير النفايات؟ يجيب العضو بنبرة واثقة: «منشيل المعمل».
تستبعد مصادر مطلعة إمكانية «سلخ» المعمل من تلك المنطقة، وتستند في استبعادها إلى قرار مجلس الوزراء الذي حدد الكرنتينا موقعاً للمعمل. وتعلّق المصادر نفسها: «قبل الحديث عن إنشاء حديقة في الكرنتينا، فليبحثوا في معالجة مكب النفايات في برج حمّود». مصادر في بلدية بيروت تبدي استياءها «من إصرار البلدية على المباشرة بالمخطط بشكل تجزيئي»، مشيرة إلى أن خطة التأهيل «تتطلب خطة متكاملة، وهو ما ليس متوافراً لدى المجلس البلدي».
وماذا عن سوق السمك؟ يلمّح عضو المجلس البلدي هنا إلى إمكانية نقل سوق السمك من المنطقة، ويربط نقله بمشروع إنشاء سوق للخضار في أرض جلول، «مجهّز بأحدث التجهيزات ويرافقه مواقف للسيارات ويحتوي على محال تجارية صغيرة تشكل بديلاً لأصحاب البسطات بحيث يكون سوق الخضار وسوق السمك متجاورين».
عندما سئل عضو المجلس البلدي عن السبب المحفز لهذا المخطط التوجيهي، لم يتردد في الإجابة: «مساحات عامة» قبل أن يستطرد: «بيجيكي 100 مستثمر»، في إشارة إلى إمكانية إنشاء مطاعم وفنادق وغيرها، على قاعدة أن «بيروت رايحة على الخدمات».
قد يبدو «تأهيل» تلك المنطقة البائسة «وردياً» بالنسبة إلى الكثيرين، إلا أن ممارسات البلدية ورؤيتها «التطويرية» للأماكن العامة لا توحي إلا بالمزيد من «فتوحات» المضاربات العقارية والاستثمارات السياحية الخاصة، وبالتالي، بخلاف مفهوم المساحات والأملاك العامة، لن تكون هذه الأماكن متاحة أمام جميع المواطنين.
إن النقاش لا يدور حول الدفاع عن إبقاء المنطقة «موبوءة»، بقدر ما يتركّز على إمكانية «إلحاق» منطقة الكرنتينا بالنموذج المعمم على بقية أحياء المدينة.