مع إكمال «الثورة السورية» عامها الرابع، أطلقت قناة «الجزيرة» تغطية خاصة بسوريا سمّتها «سوريا.. الثورة اليتيمة» في رغبة واضحة في ركب موجة مختلفة من خلال تقديم تغطيات انسانية والحديث عن أحوال الحرب والمناطق المحاصرة والقصص الاجتماعية. أرادت النشرة أن تقدم صورة «التنازع للسيطرة في كل الجغرافيا السورية بين جيش النظام، وجبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية والأكراد المدعومين عسكرياً ولوجستياً من الغرب وما تبقى من الجيش السوري الحر».
كذلك، أعلنت أنها «ستلقي الضوء على ثورة سوريا التي باتت « يتيمة» بعدما تركت وحدها لتواجه مصيرها، في ظل تشظي حلفائها القدامى والانقسام العربي والإقليمي والدولي بشأنها». لكن لن يحتاج الأمر قدرات خارقة ليكتشف المشاهد بأن هذه الحقيقة يراد بها باطل. قناة «الرأي والرأي الآخر» كانت أكثر من صبّ الزيت على النار وسط سلسلة من السقطات المهنية التي أفقدتها جزءاً من جمهورها ودفعت الديوان الأميري القطري صاحب القرار في المحطة لإجراء تغييرات جذرية متلاحقة أوصلت المذيع ياسر أبو هلالة إلى منصب مدير القناة الإخبارية، فكان يتباهى أمام ضيوفه بأنه يمتلك أوسع شبكة مراسلين على الأراضي السورية، قاصداً بذلك المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام. وانسجاماً مع مقولة المدير الجديد وفكرة نشرة «الثورة السورية اليتيمة»، قدمت القناة القطرية ضمن برنامج «تحت المجهر» منذ حوالي أسبوع فيلماً وثائقياً بعنوان «اغتيال حلب» (إعداد وائل عادل وضرار خطاب) ساهم مقطع مجتزأ من الشريط وتداوله على الفايسبوك في شهرة إضافية له. تثبت القناة القطرية مجدداً قدرتها على إنجاز مادة فيلمية احترافية في «حلب المحررة» كما تسميها، أي الأحياء التي تقبع تحت سطوة المعارضة المسلحة. الاحترافية هنا تنحسر في أسلوب التصوير والغرافيك والمؤثرات. أما على مستوى التوثيق، فلا جديد يذكر سوى المحاولات الحثيثة لإيصال رسالة مفادها أنّ صفحة الثورة ما زالت ناصعة البيضاء لم تلوّثها كل تلك الدماء التي سالت! إذ يكفي أن تلاحق الكاميرا بأسلوب الريبورتاج التقليدي تحركات مجموعة من سوريين ما زالوا متشبثين بأرض حلب: مسعف يعود فيجد أنّ البراميل أحالت حارته ركاماً وأخاه أشلاء، ومتطوعون في الدفاع المدني بكى أحدهما عندما استحضر مشهد أم متفحمة وهي تحتضن ابنها، ويافع عاد من مدرسته فلم يجد بيته ولا أهله، ومجموعة أطفال يطرحون السؤال التقليدي «بمَ تحلم؟» فتأتي أجوبتهم صادمة بسبب العنف الذي يعيشونه. يمر المنشد الديني المعروف أحمد حبوّش على بيته كنوع من البهارات الفنية ليجده مدمّراً، ثم يخترق صوته الملفت الخراب حوله وهو يقول: «فوالله ما مال الفؤاد لغيركم وإني على جور الزمان صبور». لكن الكارثة تكمن في اختيار وجوه سمحة قُتلت عائلاتها، فقررت حمل السلاح بعدما خسرت كل شيء، وهي حالة حقيقية وموجودة انهزم حضورها أمام المد المتطرف والتكفيري. بعد ذلك، يبلغ الشطط ذروته عندما نشاهد أحد عناصر الجيش الحر يشرف بنفسه على حماية دير أو كنيسة تلتقي كاميرا الفيلم مع المشرف عنها. كأننا هنا أمام قاعدة الدراما التي تعتمد على الانتقائية واختيار الحالات الغريبة لجذب الجمهور. فإن وجد مكان عبادة واحد للمسيحيين تحميه ميلشيات الجيش الحر، فمن المؤكد أنها حالة استثنائية وفريدة أمام حجم الدمار الذي لحق بالمقدسات الدينية والآثار على يد «النصرة» و«داعش».
البنية التوثيقية للشريط خالية تماماً من أي جديد، والحالة لا تزيد عن تقنيات حديثة توافرت لأشخاص موجودين في حلب، فقرروا صناعة فيلم يتقصد التقاط حالات إنسانية ومحاولة تعويمها. لكن ذلك لن يؤتي سوى بالمزيد من الإخفاق للشبكة القطرية.