بانقضاء ساعات قليلة على افتتاح القمة العربية في شرم الشيخ، غادرها معظم القادة المشاركين، ما أنبأ بأنها استنفدت مهمتها وأهدافها بعد كلمات الجلسة الاولى للزعماء المعنيين مباشرة بأحداث اليمن. من بين قلة من قادة الصف الاول، لزم رئيس الحكومة تمام سلام مقعده وهو يخشى مفاجأة ما تقود القمة الى منحى مغاير، فيجد لبنان نفسه في قلب الحدث. بانطواء اليوم الثاني عبّر سلام، في الطائرة عائدا الى بيروت الاحد، عن ارتياح مزدوج: «انها من القمم العربية النادرة لا تخرج بانقسامات عميقة او خلافات حتى، وان لبنان لم يكن مصدر اقلاق وارباك في شرم الشيخ على نحو ما هو في بيروت».
كيف ابصر لبنان الرسمي القمة الـ26 واجرى تقويما لانعقادها ومسار اعمالها؟
بضع ملاحظات ابرزتها اوساط سلام، وقد وجد نفسه للمرة الثانية في المقعد الشاغر لرئيس الجمهورية من على احد اعلى المنابر التقليدية المهمة، بعد مشاركته في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في ايلول الماضي، اشهرا قليلة بعد شغور الرئاسة؟:
1 ــــ الدور الذي اضطلع به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على رأس القمة، ما افصح عن ادلة اضافية عن محاولات عربية وغربية منسقة ومثابرة لاستعادة مصر حضورها في المنطقة. تقاطعت هذه الملاحظة مع ما ادلى به ديبلوماسيون عرب على هامش القمة عن جهود يشترك فيها قادة عرب وأوروبيون وأميركيون تتوخى استرداد مصر موقعها التقليدي في ارساء التوازن في النزاعات العربية، كما في الاخطار التي تهدد المنطقة. وتنطلق اعادة الاعتبار هذه مما يقوله الاميركيون ويشجعون عليه، وهو ان الاقتصاد مفتاح استعادة الدور اولا واخيرا. ترجم ذلك انعقاد مؤتمر شرم الشيخ المخصص لها قبل اسبوعين بأن استدرج اليه حضورا سياسيا دوليا رفيع المستوى، مقترنا بحضور اقتصادي رفيع المستوى بدوره من خلال انضمام شركات اميركية عملاقة اليه، وحضّها على معاودة الاستثمار في هذا البلد.

خرج لبنان من
القمة من دون ان تنفجر في وجهه تداعيات أحداث اليمن


ارتبط هذا الموقف بفكرة مفادها ان القلق على مصر اقتصادي اكثر منه امنيا. ناهيك بأن السيسي ارسل اشارات واثقة الى سيطرته الكاملة على اضطرابات وقلاقل تشهدها بلاده ومحاولة التيارات السلفية زعزعة استقرارها، الا ان المشكلة الرئيسية التي يشكو منها تداعيات احداث عامي 2011 و2014 على اقتصادها الوطني. باح بموقفه هذا لسلام مرتين على التوالي في لقاءيه به في نيويورك في ايلول وشرم الشيخ قبل اسبوعين، قائلا ان استرجاع مصر دورها مرتبط بتحسن حالها الاقتصادية. بذلك اتت القمة العربية تؤكد استعادة القاهرة هذا الدور وتمنحها مكسب اقرار انشاء قوة عربية مشتركة دانت بفكرتها للسيسي.
2 ــــ اثبتت الرياض مرجعيتها الناهية على دول الخليج وربطها أمن اليمن بأمنها هي، واجتذابها اليها شبه اجماع عربي على قيادة التحالف العسكري، رغم تحفظ الجزائر والعراق مع انهما لم يرفعا النبرة عاليا. نجحت الرياض بادىء الامر بحصر المناقشة في احداث اليمن في اجتماعات وزراء الخارجية العرب، وقصرت الجلسة المغلقة الاولى للقادة العرب خلال ساعة ونصف ساعة على انشاء القوة العسكرية المشتركة ما قلل مبررات الخلاف. من خلال تمسكها بالشرعية الدستورية في اليمن حازت المملكة شبه اجماع على تبرير حملتها العسكرية. لم تلمس اعتراضا على مبدأ القوة المشتركة، بل ملاحظات في سبل انشائها في مهلة ثلاثة اشهر يجتمع خلالها رؤساء اركان الجيوش لتحديد المسائل التقنية المرتبطة بانشاء القوة.
على غرار القمة المصغرة السداسية في الرياض في تشرين الاول 1976 التي انبثقت منها للمرة الاولى قوة عسكرية عربية مشتركة تنتشر في لبنان وتتولى فرض الامن والدفاع عن الشرعية الدستورية اللبنانية الجديدة حينذاك، تستمد القوة العربية المشتركة، كتلك، شرعيتها من انبثاقها من القمة العربية، مع فارق جوهري هو ان مهمتها ليست منوطة بدولة واحدة، بل متحركة للدفاع عن اي دولة عربية او شرعيتها الدستورية تتعرض لاعتداء من الخارج.
3 ــــ لم تكن قمة التصعيد مقدار ما بدت تحاول فتح ابواب الحوار. عبّر عن هذا الموقف الملك السعودي في اشارتين ذات دلالة: اولاهما انه لم يأت على ذكر ايران في كلامه عن احداث اليمن والحوثيين، وثانيهما تمسكه باجراء الحوار بين الافرقاء اليمنيين في الرياض فحسب قاطعا الطريق على المبادرة الخليجية او سواها بغية ابقاء تسوية الوضع اليمني تحت المرجعية السعودية. الا ان اشارات مماثلة عبّر عنها السعوديون في اروقة القمة بالقول ان التحالف العسكري مستمر ما دامت المهمة بدأت، ولا يسع الرياض التراجع عنها بعدما وضعت نصب اعينها تصويب التوازنين السياسي والعسكري في اليمن تحت مظلة حليفها الرئيس اليمني.
4 ـ خرج لبنان من القمة من دون ان تنفجر في وجهه تداعيات احداث اليمن والاشتباك السعودي ــــ الايراني فيها، ومن ثم المواقف الاخيرة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ناهيك بأكثر من وجهة نظر داخل الحكومة اللبنانية حيال الاحداث تلك. انضم رئيس الحكومة الى الاجماع العربي في وقوفه الى جانب الشرعيات العربية تبعا لمفهوم الاجماع عليها، دونما تخليه عن الاصرار على الحل السياسي. لم يُثر كلام نصرالله في اي من الاحاديث التي اجراها سلام مع قادة عرب ووزراء خارجية اجتمع بهم، ولا فاتحه الرئيس الفلسطيني في ما تناوله نصرالله الجمعة الفائت عن الفلسطينيين.
بل كان على لبنان ان يكتفي بالانضواء في محور الاجماع، من دون ان يسأل عن سبل حل مشكلاته.