عادت هيئة التنسيق النقابية «رمزياً» إلى الشارع، عبر مجموعة من التحركات أقيمت أمس في المحافظات، بالإضافة إلى الاعتصام «المركزي» أمام وزارة التربية في بيروت. يأتي هذا التحرك المتأخر للهيئة من باب تذكير الرأي العام بحقوق الأساتذة والموظفين، ومحاولة لحثّ النواب على ضرورة إقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب في اللجان النيابية المشتركة.

الأعداد التي شاركت في الاعتصامات في المحافظات وفي بيروت كانت ضئيلة مقارنة بأحجام المشاركة في تحركات سابقة للهيئة. ردّ منظمو الحراك ذلك إلى الرمزية التي يحملها هذا التحرك. قال عبده خاطر، رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، في كلمته إن هذا التحرك «أول الغيث، وستتبعه تحركات أخرى، إن لم نلمس جدية في مقاربة ملف السلسلة». أما رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة، محمود حيدر، فطالب المسؤولين «بتحمل مسؤولياتهم في هذه الظروف الخطرة التي يمر بها لبنان»، مشدداً على أن «الهيئة ستصعّد في حال عدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب في اللجان المشتركة، بما يؤمن لنا العدالة والمساواة مع غيرنا من الفئات الوظيفية». وسأل عدنان برجي، عضو رابطة أساتذة التعليم الأساسي في لبنان، في كلمته: «من يصدق أن الدولة التي زاد دينها العام خلال هذه السنوات الثلاث ما يقارب 30 ألف مليار ليرة من دون زيادة الرواتب تعجز عن دفع 1000 مليار ليرة سنوياً، كفيلة بتحريك الاقتصاد وزيادة النمو وتأمين إيرادات جديدة للدولة؟». فيما وضع رئيس رابطة اساتذة التعليم المهني والتقني الرسمي، عبد الرحمن برجاوي، الاعتصام في إطار إدانة «سياسة التسويف والمماطلة المستمرة التي مورست منذ ثلاث سنوات وأكثر، وما زالت تمارس إلى اليوم». ووزّعت لجنة رابطة الأساتذة المتعاقدين بياناً خلال الاعتصام حذّرت من خلال من خطورة «إعطاء الزيادات الأكبر على شكل درجات استثنائية لحرمان المتعاقد منها»، داعين إلى إعطاء نسب زيادة واحدة لجميع القطاعات، ونسب زيادة واحدة لأساتذة الملاك والأساتذة المتقاعدين.

لم تُدعَ الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين إلى تفويض أي تحرّك إلى الهيئة


هذه الكلمات والمذكرات، التي لم تحمل أي إشارة إلى جدّية التحرك واستدراك قيادته الجديدة لخطأ الارتهان بالكامل لأحزاب السلطة، ألقيت أمام عدد قليل من المعتصمين أمام مبنى وزارة التربية في بيروت، معظمهم من أساتذة التعليم الثانوي وأقل منهم بكثير من المدرسين في التعليم الأساسي، فيما غاب بشكل شبه تام أساتذة التعليم الخاص والموظفون الإداريون. هذه المشاركة الهزيلة انعكست أيضاً على الإضراب الجزئي الذي أعلنته هيئة التنسيق النقابية اعتباراً من ظهر أمس، فلم تلتزمه معظم المدارس الخاصة، وقلة نادرة من الإدارات العامة أغلقت أبوابها، علماً بأن البعض انتقد تسميته «إضراباً»، إذ إن دوام معظم المعلمين والأساتذة والموظفين ينتهي عند الثانية بعد الظهر، وهذا اليوم يسبق عطلة مدرسية طويلة تبدأ اليوم بمناسبة حلول الربيع وأعياد الفصح.
النقابي محمد قاسم رفض أيضاً تسمية الاعتصام بـ»التحرك». برأيه، هو مجرد «تحريك» لقواعد الأساتذة، ولا يرى قاسم أنه يحمل أي قيمة «إلا إذا كان مقدمة لتحركات أخرى مقبلة». ولم يظهر خلال هذا الاعتصام أن هناك جهود مبذولة في سبيل دفع الأساتذة والموظفين للمشاركة فيه، تشرح الأستاذة في التعليم الثانوي سناء حسن، أن الآليات النقابية الديمقراطية تتعرض للضرب، إذ «في السابق كانت تتم التعبئة للمشاركة عبر دعوة الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين لتبدي رأيها وتأخذ القرار بالمشاركة خلال الاعتصام، إلا أن هذه المرة جاءنا القرار من فوق مباشرة»، هذا ما حال، برأيها، دون مشاركة أعداد كبيرة من الأساتذة، الذين اعتبروا أنهم استبعدوا عن المشاركة باتخاذ القرار. يعلّق أستاذ متعاقد على المسألة نفسها، قائلاً: «كنا نبلّش نهارنا بإضراب ويخلص باعتصام، مش نعمل إضراب أخر النهار».
تحرّك هيئة التنسيق النقابية أمس جاء بمثابة تشديد على أنها «غيّرت طريقة عملها»، على حد تعبير أحد قيادييها، لكنها في الوقت عينه أصبحت أكثر تحت مراقبة القواعد، الحزبية والمستقلة على حد السواء، «المصدومة من هذا الأداء»، ووزع التيار النقابي المستقل، الذي يقوده النقابي حنّا غريب، بياناً رأى فيه أن سقف التحرك المطروح، أي «التذكير بإقرار السلسلة دون التمسك بالحقوق، واعتبارها ملاحظة بسيطة، يجعل التحرك مجرد خطوة لرفع العتب». وطالبت بهية بعلبكي باسم التيار بـ»إقرار خطة مدروسة وتصاعدية تستمد من الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين، التي لم تتم دعوتها للانعقاد، وذلك قبل فوات الأوان وإقرار السلسلة المسخ، بما تتضمنه من بنود تخريبية تضرب قطاعات تعليمية».
رأى عدد كبير من النقابيين ممن شاركوا في اعتصام أمس، أن الهيئة اليوم أمام امتحان حقيقي، فإما تصعّد فعلياً وتبدأ بتعبئة القواعد لاستعادة العمل النقابي الحقيقي والعودة الفعلية إلى الشارع، وإما تؤكد ما تأكد أساساً للكثيرين، أن هيئة التنسيق النقابية باتت توأماً للاتحاد العمالي العام.