لم يحصل أن ألحّ إنسان للقاء الملك الإسباني فيليب السادس كما فعل رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، خلال الأيام القليلة الماضية. الرجل الذي يستصعب التصرف كرئيسَي الجمهورية السابقين أمين الجميّل وإميل لحود تجاهل كل المبررات الإسبانية لعدم لقائه، من حَصْر الملك زياراته السياسية برئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام إلى وضع الزيارة في سياق اطمئنان الملك على أوضاع جنوده في جنوب لبنان. نجح سليمان أخيراً في حجز موعد له خلال انتظار الملك تجهيز طائرته في المطار لمغادرة لبنان. ظن الجميع أن ثمة سراً خطيراً ينوي سليمان مصارحة فيليب السادس به، إلا أنهم فوجئوا به يأخذ صورة مع الملك ويغادر من دون أن يقول جملة مفيدة واحدة. مساعيه للقاء نائب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، باءت هي الأخرى بالفشل؛ ظن أنه كوّن علاقة ندية مع الرئيس باراك أوباما ستستمر بعد مغادرته بعبدا، نظراً إلى ظرافته الشخصية وسعة اطلاعه السياسي.
وفي إمارة الشارقة، حصلت فضيحة حقيقية قبل بضعة أسابيع على هامش منتدى الاتصال الحكومي. فبدل أن يذهب سليمان وزوجته وأحد المستشارين، قدم سليمان للمنظمين لائحة بأكثر من 14 اسماً، يفترض بالمنظمين أن يتحمّلوا مصاريف سفرهم وإقامتهم وأكلهم ومصاريفهم اليومية. ولم ينتهِ الأمر هنا: حضر سليمان وبعض هؤلاء حفل الافتتاح الذي خطب فيه، وغادر المنتدى وكل أعماله ليتمتع بإجازة سياحية، ويعود في ختام كل يوم للنوم في الفندق.
الرئيس الذي أضاء طريق منزله بأعمدة لا يوجد مثلها في غير القصر الجمهوري يوجع قلب عارفيه. تارة يقول إن حظوظه بالعودة إلى بعبدا بعد ست سنوات كبيرة، وطوراً يعلمهم أنه رافعة قوى 14 آذار في جبل لبنان. يمضي معظم نهاره في رصد التلفزيونات والإذاعات والمواقع الإخبارية، ليهنّئ من يذكرون «إعلان بعبدا» في تصريحاتهم، ويسرّب لأحد المواقع الإلكترونية خبراً عن استيائه ممن يتجاهلون الإعلان. يفترض الرئيس السابق أن من يشيرون إلى «إعلانه» في سياق حديثهم (كواحد من عشرات الشعارات السياسية المملّة) إنما يشيدون به شخصياً، وأن من يتجاهلون «الإعلان» إنما يتجاهلونه شخصياً. ويمكن تخيّله قافزاً في غرفة الرصد حين جاء نائب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، على ذكر «الإعلان التاريخي» في زيارته الأخيرة لبيروت.

لم يتجاوز عدد الذين لبّوا
دعوة سليمان للبحث في أوضاع جبيل 20 شخصاً

يدمي سليمان قلوب مقربين منه لشعورهم بظلم ذوي القربى اللاحق به. فوزير دفاعه الأول الياس المر مشغول عنه بإقناع أصدقائه في أجهزة الاستخبارات السعودية بتبنّي طموحات رئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال بيار الضاهر، سواء الإعلامية أو الرئاسية، فيما وزير دفاعه الأخير سمير مقبل يقول شيئاً في حضوره وعكسه في غيابه، لضمان المستقبل السياسي لصهره (المرشح إلى الانتخابات النيابية في المتن الشمالي نصري نصري لحود). لا وزير داخليته الأول زياد بارود يسأل هذه الأيام عنه، ولا وزير داخليته الأخير مروان شربل. يجزم المقربون من الأول بأنه لن يشارك في لقاء سليمان السياسي المنتظر إطلاقه في 13 نيسان، فيما يشكك المقربون من الأخير في مشاركته في لقاء يؤخر حظوظه الرئاسية بدل أن يدفعها إلى الأمام. وفوق ذلك، يتبدّى ظلم ذوي القربى ــ في أجلى صوره ــ في عدم تلبية كلّ من رئيسَي بلديتي جبيل (مدينة الرئيس) وعمشيت (بلدته) دعوته لرؤساء بلديات جبيل والمخاتير للبحث في أوضاع المنطقة الأسبوع الماضي، علماً بأن عدد رؤساء المجالس البلدية والمخاتير الذين لبّوا الدعوة لم يتجاوز عشرين شخصاً. وبدل الوفود الصحافية التي كان سليمان يتوقع أن تؤمّ منزله لتغطية «المهرجان الحاشد»، زاره مقدم البرامج رجا ناصر الدين من دون أن يحضر معه، على الأقل، زميله رودولف هلال! وكان سليمان قد استاء من «رجا ورودولف» بعد إفساحهما المجال أمام أحد ضيوفهما لاتهامه بتسهيل البناء في محيط القصر الجمهوري، وتوعّد بالرد، قبل أن ينصحه أحد المقربين بضبضبة الموضوع حتى لا تتوجه إحدى الكاميرات إلى محيط السفارة الإيطالية المجاورة للقصر لتصوّر تحول الحرج المقابل للسفارة إلى ما يشبه المجمع سكني. ولا شيء يوتّر سليمان أكثر من الرئيس سعد الحريري ــ الذي تجاهل «إعلان بعبدا» في خطابه الشهير ــ والمر وبارود وكل رؤساء المجالس البلدية وأصحاب محطات البنزين وغيرهم ممن أحسن في عهده إليهم، إلا «الأكثرية الشعبية» التي دأب سليمان على التأكيد أنه يعبّر بمواقفه «الوسطية جداً» عنها. فلا يبدو أن هذه الأكثرية تعدّ العدّة لمواكبته من قريب أو بعيد. وهذا ما يدفعه إلى التعويل على جمهور أحد النوادي الرياضية التي يموّلها للهتاف باسمه بين مقطع خطابي وآخر، خصوصاً أن غالبية رؤساء المجالس البلدية ورجال الأعمال الذين كان يفترض أنهم الى جانبه باتوا يتجنّبون الرد على مكالماته. حتى نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام أبو جمرة، الذي كان سليمان يأمل انضمامه وبعض العونيين إليه، سبقه إلى إطلاق حزبه الخاص لتجنيب نفسه هذه الكأس المرة. وهي أيضاً حال رئيس جمعية الصناعيين السابق نعمة افرام و»وجهاء» يأملون أن توفر الوزيرة أليس شبطيني (التي أحلها سليمان في الوزارة محلهم) النصاب المعنوي في صالون 13 نيسان. ومع اعتذار الرئيس نجيب ميقاتي عن ردّ كل ما يعتقد سليمان أنه جميل فعله من أجله، لن يكون هناك في صالون سليمان نائب واحد يردد قسم الولاء للرئيس السابق.
قبل بضعة أيام، شبّه المسؤول الإعلامي لتيار المردة، المحامي سليمان فرنجية، في حديث تلفزيوني، سليمان بصحيفة قديمة اصفرّت أوراقها وفقدت قيمتها بعدما تجاوزتها الأحداث، ولم تعد تصلح إلا للاستخدام في ورش حدادة السيارات لحماية الزجاج من البويا قبل أن تمزق وترمى. لكن الرئيس السابق يبدو مقتنعاً بأنه لا يزال هناك من «يقرأه»، رغم شبه الإجماع على وجوب اقتناعه بأن رئاسة الجمهورية كانت أعظم ما يمكنه بلوغه، وأن عليه، بدل السعي الحثيث للفوز بمقعد نيابي أو اختياري أو ختم مختار، القيام برحلة استجمامية طويلة، خصوصاً أنه أخرج معه من القصر ما يمكّنه من دفع أكثر من تكاليفها بكثير. فلا تيار المستقبل يهضم اجتماعاته الوزارية، ولا سمير جعجع يريد من يسعى ليقاسمه جبنة جبل لبنان بعدما فعل كل ما في وسعه لتحجيم زعامات الجبل التقليدية، ولا حشود «المستزلمين» يحتملون إحراجه لهم بدعواته إلى مؤتمرات ولقاءات، فيما هم يبحثون عن «الاستزلام» لدى من يملك حظوظاً أكبر للوصول الى قصر بعبدا. ولعل الرئيس السابق يملأ أوقات فراغه الطويلة بتعلم هواية التصوير، فيزيل طاولة الشطرنج التي تغطي طاولة اجتماعاته الوزارية التي تبحث في أوضاع المنطقة، أو يرفع «جحش» الدراجة الهوائية ويرتدي ثياباً رياضية بدل الحذاء الرسمي حين يودّ تقليد الرئيس السوري بشار الأسد في التقاط صورة غير تقليدية.




جنسيات... ساعات... ألماس للبيع!

كل من عايش سليمان عن قرب ينظر بثقة في المرآة متسائلاً: لِمَ لا أكون أنا الرئيس؟ في ما يتعلق بنسبة الذكاء فهي نفسها عند مجمل هؤلاء. وفي الشكل، لا مشكلة أبداً. أما في المضمون، فيمكن دائماً إيجاد «متبرّع» بنقل مكان الولادة من ضيعة لبنانية الى بلدة فرنسية طمعاً في حمل جواز سفر من «الأم الحنون»، وإن كان أحد موظفي الخارجية الفرنسية يؤكّد في مجالسه الخاصة أن سليمان لم يكتف بحمل الجواز المزوّر بل تعدّى ذلك الى استخدامه فعلاً. ويروي المصدر «العتيق» في الخارجية الفرنسية، في حضور نواب ومسؤولين حاليين وسابقين، كيف فوجئت أجهزة الأمن الإيطالية قبل بضع سنوات بقائد أحد الجيوش يناول موظف الجوازات في أحد المطارات، بثقة، جواز سفره المزور، قبل ان تنكشف العملية. أما الفضيحة الأكبر في أروقة الخارجية الفرنسية، فتتعلق بساعات ماسية أهدتها السعودية إلى سليمان غداة انتخابه رئيساً. يومها، أرسل الرئيس نجله شربل وأحد أصهرته إلى باريس لبيع الساعات الممهورة بعلم السعودية. دخل الشابان الأراضي الفرنسية من دون التصريح عمّا يحملانه، بحسب القوانين، وتوجّها بثقة إلى متجر «شوميه» ليعرضا بيع 21 ساعة رجالية، و12 ساعة نسائية بنحو ثلث ثمنها الحقيقي. لكن عجزهما عن تقديم المستندات التي تثبت أصل الألماس وحجمه، أربك إدارة المتجر، ثم الشرطة التي حضرت للتحقيق في الأمر، قبل أن تقرر المراجع العليا ترحيل اللبنانيين وساعاتهم.