باللّباس العسكري، وبيد الحقد ــــ التي خطت أهاجي ابن تيمية للصوفية في مجلدين ــــ ألقم الداعية السعودي، الدكتور محمد العريفي، مدفع هاون موجهاً إلى الأراضي اليمنية، بقذيفة، مصلىً عليها، ومشفوعة بالدعاء أن تصيب هدفها و»تقتل». في الواقع، هذه القذيفة المنطلقة، ببركات الشيخ، إلى صدور يمنيين طيبين مضطهَدين، هي خلاصة الدكتوراه في أصول الدين الوهّابي وذروة الدعوة الظلامية، المهيمنة على الوعي العربي منذ انفجار أسعار النفط في الـ 73 بدماء الجنود المصريين والسوريين.
العريفي، وليس ثمة مفارقة، كان من زوّار سوريا، قبل العام 2011؛ بل جاء، مرة، بدعوة رسمية، وحاضر، باثّاً السموم، ومادحاً الدولة السورية على رعايتها للنهضة الاسلامية في البلد، وانتشار التدين، وفورة بناء المساجد... إلى آخره من المظاهر التي أبهجت قلب الوهابي السعيد بانكماش الاسلام الشامي المتحضر والروح الصوفية، لحساب الوهابية في طول البلاد وعرضها. مرحلة رافقت، وليس ثمّة مفارقة، تغوّل النيوليبرالية على الاقتصاد السوري وتراجع القطاع العام وافتتاح البنوك والبورصة والاستثمارات الخليجية في العقار والسياحة والانفتاح على تركيا الاخونجية ــــ النيوليبرالية، والضغوط على الصناعة والزراعة والخدمات، وإعلاء نموذج رجل الأعمال على نموذج المناضل والمثقف والمهني والجندي والشغّيل... مسارٌ من الخواء الروحي ملأته الوهابية، بالدعاة والبترودولار، واغتنمته حماس لبناء شبكة رجعية تنهش قلب سوريا، وتجنّد فلسطينيين وسوريين للحظة الانقلاب. ويلاً للبلد الجميل البهيج التعددي؛ تحت عنوان المقاومة في فلسطين، جرى إحياء الأخونة، وتحت عنوان المقاومة في العراق، تجذّرت ثقافة القاعدة! أيبقى، بعد، غموضٌ في ما شهدته سوريا، طوال الأربع سنوات العجاف الماضية، من تمرد طائفي وهجمة تكفيرية ومذابح ودمار؟
يعود انشقاق العراق العربي مذهبياً، بالدرجة الأولى، إلى الحملة الإيمانية التي أطلقها الرئيس صدام حسين مطلع التسعينات؛ تلك الحملة التي انتهت، الآن، بتحوّل البعثيين العراقيين إلى وهّابيين، ومن ثم إلى دواعش، من دون أن ينتبه هؤلاء الذين كانوا يتنافخون بمجد العراق إلى أنهم تحولوا إلى أدوات في أيدي أعدائه الخليجيين. كان المسار الكارثي جليا منذ البداية؛ فإحياء المقاربة الدينية للحقل الاجتماعي السياسي الثقافي، في بلد متعدد المذاهب، سوف يؤدي، حتماً، إلى الانشقاق والإقصاء والتكفير والمذابح وإلغاء المكونات الأصغر، وإحلال العصبيات المذهبية، محلّ العصبية القومية أو الوطنية. هكذا دخل العراق في أزمة هوية، تعاظمت، في سنوات الحصار والاحتلال، وألقت بظلالها السوداء على المقاومة والسياسة وإعادة الإعمار.
المصيبة أننا، رغم معرفتنا بالجذر الرئيسي وراء الكارثة، لم نقطع، حتى الآن، مع هذا الجذر. ما يزال الغزل شغّالا مع الأوساط الدينية، وما تزال أصوات في الدولة السورية، تتلعثم بشأن إعلان هويتها العلمانية، وما يزال الصمت، رغم الأهوال التي شهدها المجتمع السوري، هو الصمت إزاء النقد الذاتي ومراجعة خطايا التهاون مع الاخوانية الوهابية الخليجية التركية. في سوريا، الهوية القومية العلمانية، ليست خياراً، إنها ضرورة انتصار الدولة والمجتمع في مواجهة الفوضى والإرهاب وتجار الحروب والموت؛ ففي مجتمع تعددي، يغدو أي تهاون مع انتقال الدين من البعد الشخصي وفضاء الحريات الدينية، إلى الفضاء العام، السياسي أو الثقافي، وصفة لتفكيك المجتمع وتمزيق وحدته ونشر العقلية التكفيرية والإقصائية.
منذ أربعة عقود يهيئ العرب لزمن الانتحار الذاتي هذا؛ الوهابية والسعودية والاخوان والقاعدة ومنظمات التكفير والهجرة وحملة أنور السادات الايمانية التي قلّدها، لاحقاً، صدام حسين، وجيش فتح السني وحلفاؤه «اليساريون» في الحرب الأهلية اللبنانية، ومن ثم الحريرية، والثورة الجهادية العشرية في جزائر التسعينات، وأسلمة حزب البعث والحركات الوطنية، وفورة الأسلمة في سوريا العلمانية، والدعاة والمراكز الدينية ورسائل الماجستير والدكتوراه والجامعات والمعاهد والمطبوعات والمجلات والفضائيات الدينية، وملايين العاملين في معازل العبودية في الخليج؛ كل ذلك الذي صنع المهاد للربيع العربي الدموي والنصرة وداعش وجيش الاسلام وأكناف بيت المقدس وأكناف سينا وتونس والجزائر والمغرب! الذبح والاغتصاب والتهجير وتدمير المدن والحياة والأوابد الأثرية والتراثية، وصولاً إلى إلغاء الإنسان والحضارة.
أما جاء الوقت لاستئصال هذا السرطان من الجسد العربي؟ وهل كان من الضروري أن يخرج الحمساويون من أنفاق الظلام والحقد لممارسة الذبح في وسط دمشق، حتى يتم تصنيفهم خارج المقاومة؟ أما زلنا نعتبرهم «مقاومين»... بل ونسكت على تأييدهم الصريح للحرب السعودية على اليمن! وتورّطهم في بناء أوكار الإرهاب من مخيم اليرموك إلى سيناء.
ليست القضية المطروحة هي التخلي عن الأديان، ولا تفضيل مذهب على آخر، وإنما القضية هي حسم أولوية المجابهة الشاملة مع التكفير والإقصاء والإرهاب؛ وانتصار هذه القضية، منوطٌ بالقطيعة الفكرية والثقافية مع تراث الظلام من ابن تيمية إلى العريفي.
9 تعليق
التعليقات
-
الى كل حاقدلا اعلم يا اخ عمر لماذا تحقد على الاردن بهذا الشكل وحتى لو كان مؤيدا للمانعة والمقاومة.
-
الخواء الروحي الوهابي لا يمر من الاردن. بيجوز."مسارٌ من الخواء الروحي ملأته الوهابية، بالدعاة والبترودولار، واغتنمته حماس لبناء شبكة رجعية تنهش قلب سوريا، وتجنّد فلسطينيين وسوريين للحظة الانقلاب. " وماذا عن الاردنيين؟ هل في تلك الشبكة الرجعية اردنيين؟ يمكن لأ. لان الاردن والاردنيين وبما انهم مشرقيين يستحقون منصب مدير تنفيذي في تلك الشبكة الرجعية الوهابية الاخوانجية الخ، الخ. مهما يكن من امر، لا بد من الاعجاب "بجرأة" (لكي لا استعمل كلمة اخرى) كاتب هذا المقال وغيره من المقالات الشيقة والذي لا يجد اي احراج في تدبيج هكذا مواقف دون ان يتطرق لدور بلاده في خراب سوريا. ربما السبب في ذلك هو "يسار البلاط" والذي لولاه لكان الاردن قد اجتاح سوريا نيابة عن اميركا واسرائيل وداعش والسعودية. ولكن وبحمد الله وعونه هناك "يسار البلاط" في الاردن ليقف سدا منيعا في وجه المؤامرات على سوريا واليمن وفلسطين ولبنان وكل بوسطات خط عين الرمانة وكل حي من احياء مخيم نهر البارد وكل متضامن ايطالي مع فلسطين. كل هؤلاء يرعاهم ويحميهم "يسار البلاط" الاردني، وقيل في الكتب المشرقية القديمة انه عندالقيام بفعل الخير فان "البلاط اليسار" يجب ان لا يعلم بما يفعله "البلاط اليمين" من خير والا فان الاجر يضيع. لا اضاع الله لكم اجرا استاذ ناهض ويسرنا انك تركت حركة فتح في هذه الحلقة وانتقلت الى نتف ريش حماس وهي على الاقل تستحق النتف. وارجو ان لا تنسى فسلطينيي الداخل واللاجئين في كتاباتك القيمة لكي يعم كل شعب فلسطين انوار بركاتك. ودمتم للامة المشرقية ذخرا وذخيرة.
-
شو استاذ ناهض السيسي؟؟انا على المقلب الاخر من فكر وتوجه حماس، لكن ان تحملها مسؤولية كل هذا الخراب هو أكبر من تجنّ، إنه هوس من مدرسة السيسي-خادم-ملك-ال-سعود! كذلك، ما هذا الربط العجيب على متوالية الكوارث بين شعبان ورمضان وجمادى الثانية.. شو هاي المتوالية التي وضعت عليها ايضا "فتح السنية" وما تعتبره يساريين لبنانيين بين هلالين؟ متى استخدمت فتح وصفا مذهبيا في حياتها؟ (نعم فقط حين تمت رعاية المنشق دحلان خليجيا، بعد عقود من الفترة التي تتحدث عنها). وهل كان الشهيدان جورج حاوي وكمال جنبلاط يساريين بين هلالين، تقدمهما لهما من بركاتك؟ ثم لماذا تخلو متواليتك العبقرية من دور موظف السي اي ايه الرسمي حسين ابن طلال؟ هناك حدود للإسفاف برأيي. عيب يا رفيق ناهض بين هلالين.
-
انقرضوا ...احسنت القول استاذ ناهض ..لكن يلزم لهذا التحول رجال مباديء .. اينهم اليوم منا؟؟؟ ... على قولة "أمل حماده"الشهيرة على وسائل التواصل الإجتماعي ،هي مثال المرأة البسيطة والعفوية( لا قرابة بيننا..على فكرة") حين قالت ذات يوم :لم يعد يوجد رجال في مجتمعنا ..!! لقد انقرضوا ... نعم انقرض مثال المتنورين والمفكرين والتقدميين ..
-
موقف القيادة السورية منموقف القيادة السورية من الاسلام السياسي برمته واضح و جريء و لا يستثني حتى أقرب حلفائها إليها : حزب الله و إيران . و لكن ما لم يفهمه ناهض حتر أن السبيل الوحيد لضرب الاسلام السياسي استراتيجيا هو التقدم في اتجاه الاسلام . و إن أي سبيل أخرى سوف لن تكون إلا إعادة انتاج القاعدة المادية الضرورية للاسلام السياسي .. أتفق مع الرجل في كارثية حضور الاسلام السياسي و اختلف معه جذريا في طرق المعالجة . إن الاسلام السياسي لم يتغول كافراز موضوعي لمجتمع متدين . بل على العكس من ذلك تماما : إنه نتاج موضوعي لغياب الدين عن المجتمع
-
المراجعة رهن بوقائع الميدانكلمات الاستاذ حتر القليلة تغني عن مطولات ومجلدات كثيرة. المشكلة الوحيدة في قضية التبرؤ من الأعمال والأفكار هي أن تراكم الأعمال والأفكار هذا يتخذ في مرور الزمن صفة القداسة ويندمج بالهوية فيصبح التخلص منه بمثابة إجهاز على الهوية نفسها. أكبر دليل على ما تقدم هو هزيمة ألمانيا النازية التي ما كان لها لأن تعيد النظر بأيدلوجيتها العنصرية لولا خسارتها الحرب ووقوفها مستسلمة ذليلة أمام وقائع الميدان. هنا صار الاصرار يعادل الفناء فكان لابد من المراجعة وإعادةالتأسيس وصولا الى الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة. في فرنسا العكس هو الصحيح فنجاتها من الهزيمة أواخر الحرب جعلها تحفظ خصائصها بما هي دولة بوليسية ومنع عنها فرصة تحديث ذاتها وأدواتها فاستمرت تعمل كدولة بوليسية ولكن بوجه "حضاري" وثوب "ديمقراطي قشيب". لابد من هزيمة مشروع التكفير في الميدان أولا وبعدها لكل حادثة حديث.
-
لا يستدعي العريفي كل مالا يستدعي العريفي كل ما ذكرت فهو لا يعدو ان يكون ببغاء يردد ما يَلزم لترأس ثلة المغردين على أبواب الساسة ونواطير النفط شاء ام أبى هو دمية تقوم بدور رسمه المخططون الصهاينة، وخبراء السوسيولوجيا والإعلام المجرم لإيصال الجمهور الى حالة من اللاعودة في أخذ المواقف وعدم الفهم وإن بانت الحقيقة لاحقاً. ان الخبث والدهاء المرافق لكل ما يحدث لا يمكن ان يكون من عقل العريفي بل تكفي لهفته للمناصب والبحبوحة والقليل مما يختزن من الحقد والكثير من الجهل لان يكون عرَّاب هدم الحضارة والدين على مذبح براميل النفط والبحبوحة وما يرافقها من فسق عارم ويخوت صاخبة وجوارٍ ومجون ممن يقدّمون نفسهم اليوم على انهم حماة أهل السنّة. هل يريد هؤلاء ان يحوِّلو المذاهب الى قبائل كبيرة وعزلها عن الدين وموجبات الإيمان ، فبئس ما يفعلون وما يفتعلون.
-
حبي للعريفي لا انكره.احبك دومٱ لاني ارى فيك كل الجاهليه احبك لاني ارى ولا اسمع، فقط تخلفٱ يلف اذنيك حتى حدود زنجبار. احبك لجرأتك وسفهك يا كاشفٱ عن عورتيه بلا خجل ، عوره العقل والدبر، واخيرٱ احبك لان لك اتباع في هذا الاسلام المقروئ معكوسٱ.