لا يخفى على أحد حجم المصيبة التي خلّفها رحيل الممثل والمغني اللبناني عصام بريدي (1980/2015) ولا يمكن لعاقل أن يشك بقسوة الصفعة التي تتلقاها أي عائلة لدى وقوع حادث مفاجئ يقطف ابنها من ريعان شبابه. بل يحق القول إنّ الحزن مهما بلغ أشدّه واتسعت طرق التعبير عنه، فإنه يبقى نتيجة منطقية لغياب موجع، بخاصة عندما يتعلق برحيل فنان واعد مثل بريدي كان له حضور مؤثر وجمهور ومحبون ومعجبون كثر.
لكن القصة ــ منذ وقوع الحادثة إلى ما بعد مواراته الثرى ـــ تعدت حجمها الطبيعي وهوت نحو درك استثمار المصاب بقصد تحقيق «السبق» أو لفت الأنظار وجذب الانتباه. هكذا، راحت بعض الشخصيات العامة من خلال حساباتها الافتراضية، وبعض المواقع الالكتروينة وصفحات تواصلية تسيء للفقيد من خلال المبالغة في نشر صوره وأخباره حتى وهو جثة هامدة على سرير المستشفى. ومن ثم تجاوزت تلك الجهات حدود اللياقة عندما راحت تحشر أنفها في أدق خصوصياته وتجرّب العبث فيها بطريقة منفّرة، فضلاً عن نشر البعض صوراً للجسد المسجى في نعش أبيض وتداولها بطريقة تتنافى كلياً مع حرمة الموت وقداسة اللحظة التي تودع فيها عائلة مكلومة ابنها الشاب.
على طرف آخر، كان لتقرير تلفزيون«الجديد» نصيب وافر من هذه الحالة عندما قررت صاحبته أن تلعب دور خبراء السير والمحققين الجنائيين فتوجهت إلى مكان الحادث وخاضت في تحليلات ساذجة، مستنتجة أنّ السبب وراء الحادث كان في تواصل الراحل عبر «الواتس آب» لحظة وقوع الحادثة! وأكملت تدخلها في جزئيات لا يحق لأحد الدخول فيها عندما توجهت إلى مطعم «compass» في شارع الحمرا حيث كان يحيي بريدي سهرة ليلة السبت كعادته واستعانت المحطة بكاميرات المراقبة في المحل لتظهره في نهاية الليلة. ربما كل ذلك يبدو عادياً إلى حين سئل أصحاب المحل إن كان قد بالغ في شرب الكحول أو أنه وصل إلى مرحلة السكر. وعادت المراسلة لتنفي بنفسها ذلك وتقول: «حسبما عرفنا شرب قليلاً، لكنه لم يسكر». لا أحد يعرف ما دخل المراسلة، أو أي جهة في العالم بهذه الخصوصيات ومن ثم رميها على الهواء بدون التحلي بمقدار بسيط من المسؤولية. في هذا الوقت، سارعت mtv إلى تكثيف تقارير ومشاهد من أعمال الراحل فيما عرضت غالبية المحطات صور السيارة المحطمة ولاحقت أخباراً تظنها تشويقية وراحت تعلق عليها بطريقة لا تناسبها خصوصاً أنها لا تنشر في الزمان الصحيح. وعلقت قناة «mbc4» على الخبر بأكثر من حلقة من برنامجها «ET بالعربي». وعندما قررت رصد الخبر الموجع عبر موقعها الإلكتروني، قصفت جمهورها بجرعات مفرطة من التذاكي ونشرت خبراً عنونته «4 أوجه تشابه في مأساة بول ووكر وعصام بريدي. اكتشفهم» وغاصت في مقارنات غريبة ليس لها أي معنى سوى محاولات باهتة لكسب المزيد من القرّاء.
طوال الأيام الماضية، لم تترك وسائل الإعلام فرصة لذوي الراحل وأصدقائه ومحبيه للحزن بهدوء وصمت من دون محاولة استغلال جراحهم والتوغل في خصوصيات الممثل الغائب من أجل كسب سبق باطل!