في 12 كانون الأول 2011، وافق مجلس الوزراء بالإجماع على مشروع قانون استعادة الجنسية للمتحدرين في المهجر، معدّلا بفقرة واحدة تحصر منح الجنسية "وفقا لرابطة الدم من الأب فقط لا الأم". هذا المشروع لا يعيد تكريس التمييز ضد النساء فحسب، بل يطرح أيضا تساؤلا عن "حجج الديموغرافيا والطائفية" التي تذرعت بها القوى السياسية للانتقاص من مواطنة الأمهات.
لم تلتق القوى السياسية يوما على العوامل التي تدفع نحو "السلم الأهلي". بعد سنوات الحرب، أمعنت في القضاء على كل ما هو "مشترك"، وانتهجت سياسات التقسيم المذهبي والطائفي، لكنها، فجأة، تنبهّت لخطر منح المرأة اللبنانية الحق في إعطاء الجنسية لأبنائها، الذي "يهددّ السلم الأهلي" و"يمسّ الأمن القومي"، على حد تعبير احد اعضاء اللجنة الوزارية، التي التقتها حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" عام 2012، لتخلص اللجنة في ما بعد الى الربط بين رفض المساواة وإعطاء النساء حقوقهن طالما بقي النظام الطائفي".
باتفاق سياسي بين "التيار الوطني الحرّ" و "القوات اللبنانية"، وُضع مشروع قانون يرمي الى استعادة الجنسية للمتحدرين في المهجر. تؤكد الناشطة في حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" كريمة شبو، ان نص المشروع لم يحصر الاستفادة من القانون بـ "المتحدّر من أب لبناني"، الا ان مجلس الوزراء عدّل فقرة واحدة ونص على ان الجنسية تمنح "وفقا لرابطة الدم من الأب فقط لا الأم"، وذلك مراعاة "لقانون الجنسية الساري المفعول".
تتساءل رئيسة لجنة الأسرة في نقابة المحامين إقبال دوغان عن حجج الديموغرافيا والطائفية التي "تلوّح بها القوى السياسية كي لا تعطي المرأة الحق في منحها الجنسية لأبنائها"، وتقول: "لطالما كان التهويل يرتكز على تخويف الطوائف من خطر توسع بعضها الآخر، الآن لم يعد هناك خطر على الديموغرافيا وعلى الخلل الطائفي"؟ مضيفةً: "الطوائف بس بدها تزيد بتزيد من المتحدرين من الأم بس؟".
تساؤل دوغان جاء خلال المؤتمر الذي عقدته حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي"، أمس، رفضا لـ "العقلية الذكورية في مشاريع القوانين التي تكرّس التمييز بحق النساء". استنكرت الحملة مشروع القانون، ورأت أنه "يعيد حرمان النساء اللبنانيات مجدداً حقهن في مواطنة كاملة بحيث جرى استثناؤهن من استرداد هذا الحق أسوة بالرجال".

كثيرا ما ألام من ابنائي لأني تزوجت بسوري.. هذا الشعور موجع إلى أبعد الحدود

وأشارت الحملة إلى أن الأولوية هي لـ "حصول النساء اللبنانيات المقيمات والمغتربات على حقوقهن في المواطنة الكاملة، كما المتحدرون في المهجر. واللواتي – اي النساء اللبنانيات - ما زلن محرومات حقهن بمنح جنسيتهن لأسرهن"، لافتة الى أن مقاربة الحقوق عبر منحها او حجبها "تمر من منظار طائفي ضيق، يخدم المصالح السياسية".
تذكّر رئيسة المجلس النسائي اللبناني جمال هرمز بان الرجال المتزوجين بأجنبيات أكثر بكثير من النساء المتزوجات أجانب، مشيرة إلى أن "الرجال هم الذين يتسببون بالخلل لا النساء"، مضيفةً: "ان منح 18 الف امرأة هذا الحق لن يمس الامن القومي للبلاد"!
"بدن المرأة تضل مدعوسة، تحس انها مواطنة درجة تانية، ما خص الطائفة ولا الديموغرافيا"، تقول صونيا (36 عاما). تستاء المرأة المتزوجة برجل أميركي من شعورها بـ"الدونية" في بلدها. تقول انها حرصت كي تنتقل من اميركا الى لبنان "ليتربوا متل ما تربيت هون"، الا انني لم أُعط حق "وهب الانتماء اليهم". يقول ابنها جاد (19 عاما) انه لبناني "بس مش عل الورق"، ويعرب عن استيائه "لأن كنت بدي كون طيار، بس ما قدرت". كلام صوفيا يتوافق والكثير من الأمهات اللواتي حضرن المؤتمر وكن ممتعضات من مشروع القانون. اللافت هو "وحدة الحال" التي كنّ يتشاركنها وهن يتحدثن عن شعورهن بالذنب تجاه أبنائهن وعن عجزهن عن اعطائهم ابسط حقوقهم في بلدهن. "كثيرا ما ألام من ابنائي لاني تزوجت بسوري، هذا الشعور موجع الى ابعد الحدود"، تقول سميرة (45 عاما)، لافتة الى أن أبناءها لبنانيون اكثر من اي لبناني آخر. تُجمع الأمهات على "أزمة الهوية" التي يعيشها أبناؤهن، ويتفقن على ان هذه المعاناة كفيلة بإمدادهن بعزيمة النضال لانتزاع حقهن في منح الانتماء لأبنائهن.