التطور السوري الذي تمثل في سيطرة معارضي النظام السوري على معبر نصيب بين سوريا والاردن، وما أحدثه ذلك من تأثير مباشر على الصادرات السورية واللبنانية، لم يثر فقط اهتماماً سورياً ولبنانياً للتفتيش عن مخارج ومعابر بديلة فحسب. ففي لبنان شكل هذا التطور مناسبة للحديث عن الارتباط السوري مجدداً بلبنان، بعدما عُزل النظام السوري عن المعابر مع الاردن ومع العراق. ولم يبق له سوى المعابر المفتوحة على تركيا في المناطق المحاذية لمحافظة اللاذقية، ومعابر لبنان شمالاً وبقاعاً.
إلا أن المعابر مع الشمال اللبناني لا تزال «مضمونة» من جانب النظام السوري، كون المناطق المحاذية لها تحت سيطرته. أما الحدود اللبنانية البقاعية فتمثل دوماً هاجساً مقلقاً، للبنان وسوريا معاً، خشية أن تقع هذه المعابر الشرعية (وغير الشرعية) في قبضة المعارضين السوريين، وما يمكن أن يتركه ذلك من ذيول على الساحتين. والخوف على المعابر البقاعية يشكل بالنسبة الى النظام السوري هاجساً مقلقاً، كما بالنسبة الى حزب الله، الذي تشكل المساحات الحدودية البقاعية تحدياً يومياًُ له لمنع انتقال المناطق السورية المحاذية الى يد المعارضة. وهذا الامر يقود الى الحديث عن معركة القلمون المنتظرة.
فعلى إيقاع حرب اليمن، وارتداداتها السياسية في لبنان، والعسكرية في سوريا، تراجع الحديث عن «موقعة القلمون» التي كثرت التوقعات عن احتمال حدوثها في فصل الربيع، تزامناً مع ذوبان الثلوج في المناطق الجبلية.
في الأيام الاخيرة، كانت لأوساط سياسية قراءة مختلفة، استناداً الى معلومات ومتابعة لتطورات سوريا والعراق واليمن. ووفق هذه القراءة، لا تبدو معركة القلمون على الابواب، وقد يكون إرجاؤها ودفعها نحو الصيف يصبان في مصلحة الاطراف المعنيين والمتورطين في الصراع الدائر في تلك المنطقة، لمزيد من الاستعدادات.
فما كشفته حرب اليمن أظهر أن السعودية، وتزامناً مع الاتفاق الاميركي ــ الايراني، بدأت تجميع أوراقها في الشرق الاوسط، في مواجهة ما تعتبره امتداد النفوذ الايراني وتوسعه في «الشرق العربي». وإحدى أهم هذه الاوراق لمواجهة المشروع الايراني يكمن في إعادة تعويم عناصر المعارضة السورية واستيعاب الفصائل المتقدمة منها، ولا سيما «جبهة النصرة».

حرب اليمن
أدخلت معادلات جديدة على لعبة التوازن السعودي ــ الإيراني


وهذا الكلام الذي قيل قبل أسابيع بدأ يجد ترجمته العملية في الايام الاخيرة، والاعلان عن الاتصالات التي تقوم بها الرياض مباشرة أو عبر «الجيش الحر» مع «النصرة» وتقدمها، من أجل فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة» وعزلها عن الشبكات الاصولية، صار علنياً. لكن تأطير الحركة السعودية الجديدة، وإنجاز ترتيب أوراقها فيها، وتجهيز عدة المواجهة ضد النظام السوري وحزب الله معاً في سوريا، تحتاج الى مزيد من الوقت لاستكمال الاستعدادات، الأمر الذي يفترض بطبيعة الحال التريث في خوض معركة القلمون راهناً، لا سيما أن المعلومات كلها تصبّ في خانة التأكيد أن عناصر «النصرة» وحدهم باتوا الاكثر حضوراً في تلك المنطقة، في موازاة المعلومات التي تشير الى استمرار تعزيز الحشود التي باتت تتراوح بين خمسة آلاف وسبعة آلاف مقاتل في تلك المنطقة، ما يعني عملياً ارتفاع كلفة تجهيزاتهم وتزويدهم بما يحتاجون إليه في معركة يعتبرها معارضو النظام السوري في سوريا وخارجها معركة مصيرية.
في المقابل، فإن حزب الله، الذي رفع جاهزيته السياسية في مواجهة السعودية على خلفية حرب اليمن، ورغم أن قيادته السياسية كررت في الآونة الاخيرة حتمية معركة القلمون وأهميتها، إلا أن ثمة انطباعات بأنه بات أكثر توجساً من انفتاح معركة كبيرة لا يقلل هو نفسه من شأنها، مهما بلغت ضرورتها وحال الاستعدادات لها. وهو يستفيد من الوقت لرفع مستوى تأهبه وتجهيزاته وتنسيقه مع النظام السوري ميدانياً، لأن معركة القلمون بعد حرب اليمن والدخول السعودي المباشر والتركي والقطري على خط «النصرة»، تأخذ هذه المرة بعداً عربياً إضافة الى الطابع المحلي والثنائي المتعلق بمواجهة تهدف الى السيطرة على مواقع ومراكز استراتيجية حيوية.
ويدرك المعنيون في لبنان الخشية الحقيقية من ارتدادات هذه المعركة، ولا سيما إذا لم تكن وجهتها الداخل السوري بل اللبناني. فأي تطور سلبي أو إيجابي لهذا الطرف أو ذاك، سيعني أولاً وآخراً بلبلة أمنية في مناطق البقاع الشمالي والاوسط خصوصاً، وخوفاً على سكانها إذا ما ارتدّ المسلحون اليها، كما سيكون لذلك تأثير مباشر على الوضع الامني العام الذي لا يزال مضبوطاً، فضلاً عمّا ستحمله هذه المعركة من انعكاسات على وضع الجيش اللبناني الذي يفرض إيقاعه الامني والعسكري على الحدود وفي مواجهة المسلحين.
قد تكون معركة القلمون حيوية ومطلوبة لاعتبارات ضرورية ووضع حدّ للستاتيكو الحالي، لكن توقيتها يحتاج الى مزيد من الدرس. فحرب اليمن أدخلت معادلات جديدة على لعبة التوازن السعودي ــ الايراني، ومحاولة أي طرف من الطرفين المعنيين كسر هذا التوازن، في القلمون، لن تكون سهلة على أي منهما، خصوصاً مع انتفاء عنصر المباغتة، بعدما استنفد الطرفان الكلام والتلويح بحرب الربيع.