يهرب السوريون من جحيم الحرب، فيلاقيهم الموت برصاص خفر السواحل وهم يحاولون الهرب عبر البحر. وإن كتبت لهم النجاة، سيكون الغرق كفيلاً بوضع نهاية لمأساتهم اليومية! انطلاقاً من هذا الواقع الأسود، كتب وائل تنبكجي وهو طالب جامعي سوري يقيم في الأردن على صفحته على الفايسبوك: «لا راحة للسوري إلا إذا لاقى وجه ربه» قبل أن يشارك مقطع فيديو اشتغله بنفسه، وقد جمّع فيه صوراً ومشاهد حقيقية للاجئين سوريين جربوا الهرب من القصف نحو عرض البحر بحثاً عن وطن آمن لتمر تلك الصور على خلفية أغنية شارة مسلسل «ضبو الشناتي»: «سفرني على أي بلد» (كتبها ولحنها إياد الريماوي وغنتها كارمن توكمه جي).
لكن لم يكن يتوقع طالب إدارة الأعمال أن الشريط سيحظى بمئات آلاف المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي وسيتم تداوله بكثافة على الصفحات الافتراضية ومواقع بعض وكالات الأنباء. لكن الحقيقة الصادمة هي تلقّف السوريين كل مشهد يحاكي معاناتهم، وهو ما جعل الفيديو يحصد جماهيرية رغم تنفيذه البسيط إلى حد كبير وابتعاده عن الاحترافية في فن المونتاج والغرافيك. بل كل ما فعله الشاب هو تجميع صور لمحاولات الهرب السورية عبر البحر والوصول إلى موانئ إيطاليا أو اليونان، ومن ثم استكمال رحلة الهجرة غير الشرعية للفوز بلقب لاجئ في بلد أوروبي متحضر مثل السويد أو النرويج أو ألمانيا! يتناغم الفيديو مع كلمات الأغنية ويرصد مشاهد لفرق الإنقاذ وهي تحاول انتشال الغرقى من السوريين المكلومين بعد غرق سفينتهم أو إطلاق خفر السواحل النار عليهم، ثم يلتقط صوراً صنّفت ضمن الأكثر تأثيراً في الأعوام الماضية لجموع تصطف في قارب آيل إلى الغرق في عرض البحر، بينما يعود نحو الدمار والبيوت المهدمة ومشاهد لأطفال يبكون أمام الكاميرا أو لأهالي يحملون أولادهم وما تيسر لهم من متاع ويهربون من جحيم القصف.
في حديثه معنا، يؤكد وائل تنبكجي بأنه ليس على اطلاع بوسائل المونتاج الحديثة وأساليبه. لقد اشتغل مثل هذه الفيديوهات بلغة الهاوي، وقد اندفع نحو هذه النوعية من الفيديوهات بقصد توثيق معاناة السوريين بالوسائل المتاحة وتسليط الضوء على تلك اللحظات الغريبة قبيل الغرق والموت النهائي لشخص تتمسك به عائلته وهو كان يأمل بأن ينجو بها. ويضيف «لا بد للعالم من أن يلتفت إلى موتنا اليومي. تخيل أنني حتى الآن، فقدت ثلاثة أشخاص غرقوا في البحر أثناء هربهم من الحرب ولك أن تقس على ذلك».