صنعاء | يبدو أنّ الصحافيين اليمنيين قد فقدوا حالة الاهتمام الخاصة التي كانوا يلاقونها مع كل صراع سياسي جديد يحصل في بلادهم. فقد كانوا يظهرون كضحايا أوّليين لهذه الصراعات، كمخطوفين أو كقتلى. في ذلك الوقت، كان يصل للصحافيين سؤال الجميع عن أحوالهم وعن درجة ابتعاد حياتهم عن الخطر. لكن السؤال تغيّر اليوم، إذ صارت حياة الناس جميعها تحت خطر نيران العدوان السعودي القائم حالياً على اليمن، الذي تقصف طائراته باستمرار كل الأماكن، من دون أن تفرّق بين هدف عسكري أو مجمّع سكني ومنشأة رياضية أو إعلامية.
لهذا، سيبدو من غير اللائق سؤال أي صحافي يمني عن أمان حياته دوناً عن الآخرين، ما يفرض استبدال السؤال نفسه ليصبح استفساراً عن الطريقة التي يمارس من خلالها أصحاب السلطة الرابعة حياتهم تبعاً للظروف الجديدة التي تفرضها «عاصفة الحزم». العدوان دفع إلى تغيير شكل تحرّكات الإعلاميين، وتبديل الساعات الاعتيادية التي كانوا يخصصونها للعمل، ومواقع الأماكن التي اعتادوا الذهاب إليها لتأدية أعمالهم، خصوصاً أولئك المرتبطين بواجبات رسمية.
من هنا، يبدو أنّ من لهم علاقة بالصحافة الحكومية صاروا في الواجهة، فالمباني التي يؤدون فيها وظائفهم صارت تحت خطر القصف السعودي بعدما أعلن الناطق الرسمي باسم العدوان، العميد أحمد العسيري، أنّ الحوثيين يخزّنون أسلحتهم في المباني الحكومية. هكذا، أضحت هذه المواقع أهدافاً للطائرات الحربية، وهو ما يفّسر حالات القصف التي وقعت مطلع الأسبوع الحالي لمبانٍ حكومية قريبة من «مؤسسة الثورة للصحافة» (رسمية)، وأجبرت العاملين فيها كما العاملين في مطابعها على ترك أشغالهم. الأمر الذي عرقل طباعة صحف أهليّة وحزبية عدّة متعاقدة مع المؤسسة المذكورة.
حالة التهديد نفسها، لحقت بصحافيي جريدة «الثوري» التابعة للحزب الاشتراكي اليمني التي تتخذ من مبنى الحزب مقرّاً لها. فقد خرجت أخيراً أنباء تفيد بأنّ الحوثيين استخدموا مخزن هذا المبنى لـ«إخفاء كمية من أسلحتهم فيه»، ما جعل صحافيي الاشتراكي يمضون أوقاتاً صعبة أثناء تنفيذ عددهم الأسبوعي مساء الثلاثاء الماضي، في ظل القلق من أصوات إطلاق الرصاص المضاد للطائرات التي كانت تواصل قصفها طوال ساعات الفجر. علماً بأنّ مبنى الحزب يقع بالقرب من مصالح حكومية مهمّة هي عرضة للقصف أيضاً في أي لحظة. على خطٍ موازٍ، لا يبدو وضع الصحافيين العاملين كمراسلين لوسائل إعلام خارجية سهلاً، حتى وهم في بيوتهم أو في مكاتبهم الخاصة. ظهر عامل انقطاع التيّار الكهربائي كعائق أساسي أمام تنفيذ هؤلاء لأعمالهم، قبل أن يتطوّر الأمر إلى نجاح الطيران الحربي في قصف محطة الكهرباء المركزية، ليترك اليمن في حالة عتمة شملت المدن كافة بلا تمييز.
أدى هذا الطارئ إلى فقدان الصحافي لحلقة تواصله مع المحيط والتطوّرات حوله. ليس هذا فقط، ولكي تكتمل حالة العزلة من كل الجوانب، ترافق قصف محطة توليد الكهرباء مع انعدام كامل للمواد البترولية التي تسهّل حركة الصحافيين. فقد توقفت سيّاراتهم الخاصة عن الحركة، إضافة إلى عدم قدرتهم على تشغيل أجهزة المولّدات الكهربائية الصغيرة التي لا تعمل من دون هذه المواد.
أمام هذا الواقع، وجدت غالبية الجسم الإعلامي نفسها في حالة انقطاع تامّة عن العالم؛ فلا شاشات تلفزيونية تمكنها من معرفة مستجدات «عاصفة الحزم»، ولا أجهزة حاسوب قادرة على تشغيل نفسها والاتصال بالشبكة العنكبوتية، فضلاً عن الهواتف المحمولة ذات البطاريات الفارغة.
وتبقى معضلة أخرى أوجدها العدوان السعودي، وضعت بعض الصحافيين اليمنيين العاملين لحساب محطّات إخبارية عربية أمام اختبار أخلاقي، بما أنّهم عاجزون عن التعبير عن حقيقة مواقفهم مما يجري لأنّها ستتعارض مع سياسة تلك المؤسسات. ويبدو واضحاً أنّ غالبيتهم فشلت في الاختبار، ووجدت نفسها مجبرة على مسايرة سياسة المحطة التي تعمل لديها، والمؤيدة للحرب على بلدها.