دخل الكونغرس الأميركي، قبل أيام، على مجريات الأحداث النووية «الساخنة» مضيفاً نقطة مبهمة أخرى، قد تشحذ الغموض الذي يحيط بكيفية التعاطي الدولي مع مطلب إيران برفع فوري للعقوبات. هذا المطلب الذي ما زال يعكس جو الخلاف بين طهران ومجموعة «5+1»، أصبح مضبوطاً على ساعة الكونغرس أيضاً، خصوصاً إذا ما رُبط بفكرة أن الإيرانيين يطالبون برفع للعقوبات مع توقيع الاتفاق، فيما يقترح مشروع القانون الأميركي الجديد، أن يمهل الكونغرس 30 يوماً، من أجل مراجعته قبل رفضه أو القبول به.
الإيجابية المباشرة لإذعان أوباما إلى مطلب الكونغرس، تتمثل بوقف مؤقت لمسلسل المواجهات بين البيت الأبيض والمؤسسة التشريعية، بشأن الملف النووي، خصوصاً بعدما استنفد الجمهوريون كافة جهودهم لاستفزاز أوباما والحد من قدرته على التصرّف، ملوّحين بعقوبات جديدة على إيران تارة، وداعين رئيس الحكومة الإسرائيلية لإلقاء خطاب معارض للمفاوضات تارة أخرى، وصولاً إلى بعث رسالة إلى القادة الإيرانيين تحذرهم من المضيّ قدماً في مساعيهم للتوصل إلى اتفاق نووي. أخيراً، استقرت «مناوراتهم» على محاولات لإقرار تدخّل في توقيع الاتفاق وإتمامه، الأمر الذي تلقفه أوباما بالرضوخ لتسوية بين الجمهوريين والديموقراطيين، تفادياً لاستخدام فيتو رئاسي قد يمنع أي تشريع خارج عن إرادته.
أتى التصويت بإجماع 19 صوتاً بعدما وافق الجمهوريون على التخفيف من مطالبهم

ولكن رضوخ الرئيس الأميركي فتح، أيضاً، الباب على كثير من التأويلات وأعطى إشارة الانطلاق للبدء بتحليلات وتوليف ما قد تعنيه الخطوة الأخيرة، كذلك استقطب أصواتاً معارضة وخائفة من عرقلة الكونغرس للاتفاق.
لذا، سعى الديموقراطيون، على رأسهم أوباما نفسه ووزير خارجيته جون كيري، إلى طمأنة المتخوّفين من دور الكونغرس المستجد. ومن أبرز التبريرات التي قُدمت، في هذا الإطار، هو القلق من أن تقضي هذه المؤسسة التشريعية على أي اتفاق محتمل، قبل إتمامه، إضافة إلى أنّ من المرجح أن يقوم المشرعون بعرقلة الاتفاق، بعد توقيعه.
في هذا المجال، أخبر السيناتور الديموقراطي كريس كونز، الصحافيين، أنه إذا لم يعطِ أوباما الكونغرس الحق بالتصويت على الاتفاق، فهذا يعني أن الكونغرس سيسعى إلى نسفه لاحقاً. كونز استند في ذلك إلى كيفية تعاطي المؤسسة التشريعية ــ ذات الغالبية الجمهورية ــ مع القرار التنفيذي الأحادي، المتعلق بإصلاحات قانون الهجرة التي أقرها باراك أوباما.
تبرير آخر لجأ إليه الديموقراطيون، هو أنه إذا تمكن الكونغرس من إمرار قرار يسمح له بمراجعة الاتفاق، مسبقاً، فإن هذه الخطوة ستضعف موقف الإدارة وقدرتها التفاوضية، وقد تؤدي إلى إقناع «المتشددين» في إيران بأن ليس هناك من فائدة ترجى من التفاوض. 
قد تهدئ هذه التبريرات مخاوف الديموقراطيين، الذين توقعوا أن تذهب «جهود» الإدارة الأميركية سدىً في مسعاها للتوصل إلى الاتفاق، باستخدام سلطتها التنفيذية فقط... «كل ذلك ستتخلله سلسلة أفعال ناقصة وفوضوية من قبل الكونغرس، من أجل السعي إلى تجنّب تطبيق الاتفاق»، قال كونز، معبّراً عن اعتقادٍ بأن «إمرار قانون يسمح للكونغرس بمراجعة سريعة للاتفاق، قد يروّض هذه العملية ويجعل من المحتمل كثيراً أن لا يقوم الكونغرس بصد أوباما».
وفق صحيفة «ذي هافنغتون بوست»، فقد أتى التصويت بإجماع 19 صوتاً في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، بعدما وافق الجمهوريون على التخفيف من مطالبهم، بهدف جذب الديموقراطيين، وبالتالي تجنّب الفيتو الذي قد يستعمله أوباما. وكان هذا التصويت نتيجة لمناورات سياسية قام بها رئيس لجنة العلاقات الخارجية بوب كوركر، الذي تمكن من إقناع عدد من زملائه الجمهوريين بتجنّب تعديلات مثيرة للجدل، قد تقابَل بتصويب معارض من الديموقراطيين. 
ولكن الآن، بعد صمود الاقتراح، عاد عدد من الجمهوريين لإبداء عدم رضاهم عن نتيجة التسوية بين كوركر والديموقراطيين. السيناتور رون جونسون، مثلاً، أذعن لعدم تقديم اقتراح بتعديل الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة والقوى الخمس الأخرى، ليصبح معاهدة، ذلك أنه إذا استمر في هذا المطلب، فإن «المعاهدة» مع إيران، قد تتطلّب موافقة 67 صوتاً من الكونغرس. جونسون قال إنه رضخ لطلب كوركر بعدم طرح هذا الاقتراح، خلال جلسة الثلاثاء الماضي، لأنه يخطط لإعادة تقديمه عند نقل المشروع إلى مجلس الشيوخ، للتصويت عليه.
عدد من الجمهوريين يوافق مع اقتراح جونسون، منهم السيناتور جون ماكين وأيضاً السيناتور جوني إيساكسون، الذي قال: «إذا كان اتفاقاً تنفيذياً فسيستمر إلى ما بعد ولاية أوباما، وهو كذلك، أظن أنه يجب أن يكون معاهدة». 
لكن المشرعين الذي يريدون أن يكون لديهم دور أكبر في الاتفاق النووي، يدركون أن التعديل المطلوب من أجل أن يصبح معاهدة، يتطلب أصواتاً ودعماً أكبر من قبل الديموقراطيين. 
السيناتور كريس مورفيي عبر عن وجهة نظر ديموقراطية بالقول: «إنها ليست معاهدة ومن السخف الجزم بذلك»، معرباً عن تمنيه «أن يُهزَم هذا الاقتراح بنحو مدوٍّ في مجلس الشيوخ». 
كذلك، رأى أستاذ القانون ستيفان فلاديك، أن اقتراح جونسون غير سليم قانونياً، لأن الرئيس ــ وليس أعضاء مجلس الشيوخ ــ من يملك السلطة الدستورية لإقرار ما إذا كان الاتفاق مع إيران معاهدة أو اتفاق تنفيذي. 
وفي السياق، فلطالما أكد البيت الأبيض أن الاتفاق النووي هو اتفاق تنفيذي ـــ وهذا يعني أنه ليس خاضع لأي نوع من الموافقة من قبل الكونغرس ــ إلا أنه أعرب عن نيته لتوقيع تعديلات كوركر.  يبقى أن التعديل المقترح من قبل جونسون يعلّي السور كثيراً أمام موافقة الكونغرس، عمّا هو الآن في سياق مشروع قانون كوركر، الذي يمنح المشرعين خيار إمرار رفض الاتفاق، بتخطي فيتو أوباما بـ67 صوتاً.
ولكن حتى إن حصل معارضو الاتفاق على أكثرية الثلثين، من أجل تفادي فيتو الرئيس، إلا أنهم سيحتاجون إلى نسبة مماثلة في مجلس النواب أيضاً. بناءً عليه، قد يكون من الصعب جمع هذه الأصوات، نظراً إلى قدرة زعيمة الأقلية الديموقراطية نانسي بيلوسي على الحفاظ على تكتلها مجتمعاً. فمن أجل الوقوف في وجه هؤلاء المعترضين، يجب على بيلوسي الحفاظ على 145 من 188 ديموقراطياً إلى جانبها، وهذا أمر سهل.
بالرغم مما تقدم، يبقى هناك من يرى أن المشكلة لا تكمن في احتمال أن يصوّت الكونغرس على الاتفاق لاحقاً. ومن هؤلاء غريغ سرجنت الذي لفت في سياق مقال في صحيفة «واشنطن بوست»، إلى أنّ من «الممكن جداً أن يقوم عدد من الديموقراطيين الذي يدعمون مشروع قانون كوركر بدعم الاتفاق النهائي أيضاً».
بحسب سرجنت، فـ«بناءً على هذا القانون، إذا ما قام الكونغرس برفض اتفاق نهائي، وهو ما قد يضطر الرئيس إلى استخدام الفيتو، لكن الكونغرس لن يتمكن من تجاوز هذا الفيتو». واستناداً إلى خطة عمل كهذه، فإن «عدم إمرار تقييد لسلطة أوباما على رفع العقوبات، يعادل الموافقة على تلك السلطة».
صحيفة «بوليتيكو» نقلت عن أحد المسؤولين في البيت الأبيض قوله إنه «نظراً إلى الضجيج الذي رافق هذا النقاش، سرعان ما أصبح في مصلحتنا توجيه الضوضاء إلى حيث يمكن احتواؤها». «استخلصنا أننا سنكون أفضل حالاً إذا ما زججناهم في وضع حيث يقولون كلمتهم ــ هي تسوية ــ ولكن الفائدة تكمن في أنه لم يعد هناك غموض بشأن ما يمكن أن يقوم به الكونغرس»، أضاف هذا المسؤول.




العقوبات التي يتوق أوباما إلى رفعها

بإمكان الرئيس الأميركي أن يستخدم سلطته كي يعلّق بعض العقوبات. قد يصدر أوامر تسمح بالتحويلات المالية المحظورة بموجب القانون الحالي، أو ربما يرفع بعض الكيانات والأشخاص الإيرانيين، من بينها عدد من المصارف، عن لائحة العقوبات الأميركية. لكن الكونغرس وحده يستطيع أن يبطل العقوبات التشريعية، التي تعتبر الأصعب، لأنها تستهدف قطاع النفط والمصرف المركزي وأيضاً القطاعات الرئيسية في اقتصادها. ماثيو برودسكي الباحث في معهد «ويكيسترات»، المقرّب من سياسة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، لفت إلى أن «العقوبات المعقدة المتعلقة بالملف النووي، والتي يتوق البيت الأبيض إلى حلّها، تتصل أيضاً بجوانب أخرى من السلوك الإيراني، مثل دعم الإرهاب وحقوق الإنسان»، مضيفاً إن «هذه الأمور تقع خارج نطاق الاتفاق الذي يتم النظر فيه». لجأ برودسكي إلى أمثلة منها «القانون الشامل للعقوبات والمساءلة وسحب الاستثمارات المتعلقة بإيران، الذي أُقرّ، عام 2010، وأيضاً قانون تقليل تهديد إيران وحقوق الإنسان في سوريا، لعام 2012، وقانون حرية إيران ومكافحة الانتشار النووي، لـ 2012». عقوبات كهذه مررها الكونغرس، مفسحاً المجال أمام أوباما لإنهاء معظم أحكامها «في حال كان بإمكانه أن يؤكد أن إيران أوقفت مشاركتها في أنشطة متنوعة ومحظورة»، وفق برودسكي.
(الأخبار)