في الأيام القليلة الماضية، جال وزير المال علي حسن خليل على ممثلي الكتل النيابية الرئيسية، بناءً على تكليف من مجلس الوزراء. شملت الجولة رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون، ورئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل، وعضو كتلة القوات اللبنانية جورج عدوان، بالإضافة إلى كتلتي حزب الله والرئيس نبيه بري...
وعلى الرغم من أن جميع من شملتهم الجولة، ما عدا القوات اللبنانية، ممثلون في الحكومة، إلا أنّ الرئيس تمام سلام كان قد أصرّ في جلسة الخميس الماضي على أن يذهب وزير المال إلى «رأس النبع» ليحصل على أجوبة عن أسئلة محددة: هل تريدون تمرير الموازنة؟ هل ستقرون مشروع سلسلة الرواتب؟ هل توافقون على احتساب كلفة السلسلة في نفقات الموازنة؟ هل توافقون على إدراج الإجراءات الضريبية الجديدة المطروحة لتمويل السلسلة في الموازنة؟
في الواقع، هذه الأسئلة ليست أحاجي، والأجوبة عليها معروفة، وكررها الوكلاء في الجلسة الماضية وسمعها وزير المال مجدداً من الأصليين.
بحسب المعلومات، يزعم الجميع أنه يريد تمرير الموازنة بعد 10 سنوات من الإنفاق خلافاً للدستور والقوانين. لم يعبّر أحد عن موقفه الحقيقي في هذا السياق. حتى الرئيس فؤاد السنيورة بدا متحمساً لذلك، على الرغم من اتهامه بأنه أحد أبرز المعرقلين لمثل هذه الخطوة. أصرّ السنيورة، ومعه عدوان، على أن تأتي الموازنة شاملة السلسلة وإيراداتها، وهما كررا أن لا سلسلة بلا موازنة ولا موازنة بلا سلسلة. برأيهما، أصبحا «واحداً». ولكن ما هو موقفهما من إقرار السلسلة؟ اجابا بأنهما على استعداد للمضي في إقرار السلسلة وإيراداتها وفقاً للصيغة التي توصلت إليها اللجنة النيابية برئاسة عدوان وإشراف السنيورة والتي وصفتها هيئة التنسيق النقابية يومها بأنها «مسخ». في المقابل، رفض عون الربط بين الموازنة والسلسلة. هذا الموقف نابع من شكوك يبديها عون حول إمكانية التوصل إلى صيغة تسمح بتمرير الموازنة في مجلس النواب قبل بتّ حسابات الدولة المالية عن السنوات السابقة. يرى عون أن السلسلة يمكن التفاهم عليها، أمّا الموازنة فقصّتها «عويصة»، وبالتالي يرفض أخذ أصحاب الحقوق في السلسلة رهائن في «الصفقة» المطلوبة لتمرير الموازنة.

إنفاق نحو 165 ألف مليار
ليرة بين عامي 2006 و2014 بلا أي قانون موازنة

بقناعة عون، إن إقرار الموازنة بالصيغة المطروحة يعني الإعفاء عن المخالفات المالية في عهد حكومة السنيورة بين عامي 2005 و2008. وانطلاقاً من هذا التباين، يتخذ جنبلاط موقفاً محايداً، أو قليل الأجوبة، ولكنه يعبّر عن أن عدم وجود توازن بين السلسلة ومصادر وإيرادات تمويلها. في حين أن حزب الله وحزب الكتائب صاغا أجوبتهما على النحو الآتي: «إذا كان هناك التزام صادق من الكتل النيابية بإقرار السلسلة، فلا مانع من وضع كلفتها في الموازنة، وإذا لم يكن هناك التزام من هذا النوع، فلا يجوز وضعها في الموازنة».
مصادر مقرّبة من السنيورة، وصفت لقاءه مع خليل بأنه «ممتاز»، وكان هناك «تناغم كلّي بين الاثنين، وكان هناك تطابق في وجهات النظر لجهة الإقرار بأن سلسلة الرتب والرواتب هي حق مكتسب وأن لا مصلحة سياسية واقتصادية في الامتناع عن تنفيذها. كذلك اتفق على ضم إيرادات ونفقات سلسلة الرتب والرواتب إلى الموازنة بهدف تكوين صورة واضحة عن النتائج المالية ومعرفة حجم العجز في الموازنة». وتضيف المصادر أن «التطابق في وجهات النظر يشمل إعداد وإنجاز وإقرار قطوعات الحسابات تمهيداً لإقرار الموازنة»، إلا أن المشكلة تكمن، بحسب السنيورة، في وجود «عجز كبير في الموازنة يبلغ 6 مليارات دولار، علماً بأن التمويل يبدو مهمة صعبة في ظل ضعف التدفقات النقدية بالعملات الأجنبية إلى لبنان وصعوبة الوصول إلى الأسواق العالمية». هذا التطابق في وجهات النظر يعني أن البحث عن إيرادات جديدة لتمويل العجز «يعدّ أمراً واجباً على كل الأطراف السياسية والاقتصادية، وقد اتفق السنيورة وخليل على أن الضرائب التي أقرّت في مجلس النواب أخيراً يجب أن تدخل حيّز التنفيذ، ولا سيما الضرائب على الفوائد المصرفية وعلى الأرباح والتوزيعات بالإضافة إلى إلغاء الإعفاءات التي كانت تمتاز بها المصارف، وتطبيق الضرائب على ربح البيوعات العقارية، فضلاً عن ضرورة تحسين الإيرادات الجمركية من خلال استكمال الإصلاحات... لكن كل هذه الإجراءات لا تكفي، إذ يجب البحث أيضاً في كيفية زيادة الضريبة على القيمة المضافة من أجل بلوغ التوازن المالي المستدام».
وقالت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي إنّه «لم يتغير شيء حتى اللحظة بشأن الموقف المبدئي من سلسلة الرواتب لجهة عدم تحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات بالحد الأدنى، والتخوف من كل الزيادات التي ستطرأ على الموازنة، ولا سيما الأكلاف التي سيرتبها تطوع العسكريين، التمديد للقادة العسكريين، تثبيت 3500 متعاقد في وزارة الإعلام وتثبيت الأجراء في المرافق العامة وغيرها».
تشير مصادر مطّلعة على نتائج جولة خليل إلى أنه خرج بأجوبة تشكّل بذاتها ملامح «الصفقة» الجارية محاولة تسويقها، فالسلسلة ستكون في الموازنة، والموازنة لن تمر إلا بعد تسوية الحسابات المالية العالقة بطريقة مقبولة من كتلة المستقبل، أي من دون ترتيب أي مسؤولية شخصية أو سياسية على إنفاق نحو 165 ألف مليار ليرة بين عامي 2006 و2014، بلا أي قانون موازنة يجيز هذا الإنفاق، منها نحو 60 ألف مليار ليرة فوق القاعدة الاثني عشرية المعتمدة على أساس إنفاق عام 2005، ومن ضمنها الـ11 مليار دولار التي أنفقتها حكومة السنيورة بعد استقالة الوزراء الشيعة منها واعتبارها «غير ميثاقية». يرى السنيورة أن لا مشكلة تقنية تعترض التسوية، إذ سبق لوزارة المال في عهد حكومة الرئيس سعد الحريري أن أرسلت مشاريع قطع الحساب عن السنوات المعنية إلى ديوان المحاسبة، ويمكن إقرارها في مجلس النواب على غرار ما كان يحصل في السابق، أي بواسطة الإقرار المؤقت بانتظار مصادقة ديوان المحاسبة نهائياً عليها. هذا الطرح يرفضه عون ويتجنبه الرئيس نبيه بري، وهو ما دفع الوزير خليل إلى اقتراح أن يجري إقرار قطع حساب 2013 فقط بصيغة «المؤقت» ليتسنى إقرار الموازنة، على أن تعطى وزارة المال مهلة محددة لإنجاز عملها على إعادة تكوين الحسابات المالية وتدقيقها قبل وضع حسابات المهمة العالقة منذ عام 2001 وقطع الحسابات العالق منذ عام 2004.
(الأخبار)