خلافاً لما يحاول كثيرون إشاعته، لا يقتصر الاهتمام اللبناني بالملف اليمني على حزب الله. الحرب السعودية على هذا البلد العربيّ تستفز حزب الله، فيما تثلج قلب تيار المستقبل. خطابات الحزب توحي بدخول المنطقة مرحلة جديدة من التصعيد، فيما توحي أحاديث الحريريين بالعكس. إعلان الحرب السعوديّ يمثل لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري الخطوة الأولى في اتجاه الجلوس، من موقع قوة، على طاولة المفاوضات. أما الخطوة السعودية الثانية فهي تحسين ظروف حلفائها في مختلف البلدان، خصوصاً من دفعوا أثماناً باهظة لالتزامهم خياراتها، رغم قرارها بحصر النفقات وعدم الدفاع عن مكتسباتها. تكرر أوساط المستقبل الحديث عن نجاح القيادة السعودية في تقديم نفسها، في اللحظة الدولية المناسبة، ناطقة وحيدة باسم «العالم السني».
ويبدو لافتاً موافقة الحريريين على ما يتداوله بعض ناشطي 8 آذار عن استعداد الإيرانيين لمقايضة اعترافهم بالنفوذ السعودي في اليمن وتسهيلهم الحل، باعتراف السعوديين بالنفوذ الإيراني في سوريا وتسهيلهم الحل. في تيار المستقبل من يؤكد تعاطي الإيرانيين مع الصراع اليمني كما تعاطى السعوديون مع الصراع السوري، فيما تحرك السعوديون للقول إن اليمن خط أحمر، تماماً كما تحرك الإيرانيون للقول إن سوريا خط أحمر. يرى هؤلاء أن النظرية الأخيرة ستؤدي إلى مضاعفة الاهتمام السعودي بلبنان لتعويض عجز المملكة عن تحقيق تطلعاتها في سوريا. توحي أحاديث المستقبليين بأن انتقال السعوديين من كونهم جزءاً من الأزمة السورية ليكونوا جزءاً من الحل السوري يسهّل أموراً كثيرة للرئيس الحريري في لبنان، في ظل حسم الأخير استحالة استقراره في بيروت «ما دام النظام السوري يعلن الحرب على السعودية».
شعبياً، لا يجهر الحريريون برهانهم على ضخ المملكة للأموال مجدداً، بل يركّزون على نجاح الرياض في كسب «الرأي العام السني» بوصفها (هي، لا «داعش» أو «النصرة») «قائدة المواجهة العسكرية مع إيران». رغم ذلك، يشيرون إلى أن كل الدراسات لمعرفة اتجاهات الرأي العام تظهر أن العناوين السياسية تأتي في مرتبة بعيدة بعد المطالب الاقتصادية الأساسية: تعليم وكهرباء وطبابة وفرص عمل. لذلك، لا تجد قيادة المستقبل حرجاً في القول لمناصريها إنها لا تفكر بتنظيم انتخابات مناطقية قريباً وستستمر بالتعيين. فتداعيات الانتخابات البلدية الأخيرة على تيار المستقبل لم تنته بعد، ولا شك في أن معالجة مشاكل المحازبين وضبط التنافس ليسا ضمن أولويات المنسق العام للتيار أحمد الحريري.

يراهن المستقبل
على إعادة فتح
قنوات الاتصال بين الرياض وطهران

ولكن، في المقابل، أعاد المستقبليون تشغيل نحو عشرين في المئة من ماكينتهم الخدماتية في الشهرين الماضيين، خصوصاً الخدمات الاستشفائية، مع الإشارة إلى استحالة تلبية التيار كل ما يطلب منه، لأنه «عملياً يمثل المناطق الأكثر فقراً التي تعاني منذ عامين بسبب النزوح السوري من ارتفاع خيالي في نسبة الكثافة ومن مزاحمة العمال السوريين» بحسب أحد مسؤوليه. ركّز التيار، في الأشهر القليلة الماضية، على التوظيف في الأسلاك الأمنية قدر المستطاع. فمؤسسة قوى الأمن الداخلي، مثلاً، تحتاج إلى 800 متطوع من الطائفة السنية في دورتين، فيما بلغ حجم الطلبات لدى المستقبل 3700 في الدورة الأولى فقط. في صيدا، «الوضع جيد» بحكم الحضور الدائم للنائبة بهية الحريري. وفي بيروت، سدّ الوزير نهاد المشنوق عدداً كبيراً من الثُّغَر، وستكون الأمور أفضل في حال عودة الرئيس الحريري. وفي البقاع الأوسط عولج العدد الأكبر من المشاكل، فيما نجح منسق واحد (سامر حدارة) من ثلاثة في عكار.
تبدو المشكلة الرئيسية للتيار في طرابلس، حيث يعجز حتى الساعة عن إطلاق تكوين حزبي يحظى بالثقة، ويعاني من غياب الحماسة الخدماتية لغالبية نوابه. أبرز تحديات الحريري في عاصمة الشمال هو ردّ الصاع صاعين الى الرئيس نجيب ميقاتي. ولدى سؤال الحريريين عن الأقرب إليهم بين ميقاتي والوزيرين السابقين محمد الصفدي وفيصل كرامي، يردّون مبتسمين: «الأكيد أن ميقاتي هو الأبعد». التفاهم مع كرامي «أكيد، إذا سمحت ظروفه».
باختصار، يبدو التيار مرتاحاً. الفارق بينه اليوم وبينه قبل بضعة أسابيع نفسيّ. فهو سعى جاهداً للتهدئة منذ مدة ورحب عن قناعة بمحاورة حزب الله، لكنه كان يرى نفسه غير مرئي لدى السعودية، وكان يعلم أن عودة الحريري إلى السلطة بعيدة إن لم تقرن بتنازلات كبيرة. اليوم يشعر بأنه بات مرئياً سعودياً، وأن قنوات الاتصال بين الرياض وطهران التي دفع ثمن انقطاعها سيعاد فتحها قريباً.